وشبهه (١) في العرف إذا استعمل في الحاصل
______________________________________________________
بنظر غيرهم. ونتيجة تعدد الاعتبارات كون كلّ واحد من الأفعال مصداقا حقيقيا لذلك المفهوم الوحداني ، من دون أن يخطئ بعضهم بعضا.
إذا اتّضح ما ذكرناه فنقول في توجيه كلام الشهيدين قدسسرهما ـ من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح ، وأنّ استعمالها في الفاسد مجاز ـ : إنّ المعاملات أمور عرفية اعتبرها العقلاء قبل الشريعة الإسلامية لتنظيم شؤون مجتمعهم ، ولم يخالفهم الشارع الأقدس في أصل المفهوم ، ولم يخترع طريقا آخر ، ولم يتصرّف فيها تصرّفا أساسيا ، وإنّما ردع عن بعضها كالبيع الربوي والملامسة والمنابذة ، ونكاح الشغار ، وزاد قيدا في بعضها الآخر كاعتبار البلوغ في المتعاقدين ، واعتبر في بعضها صيغة خاصة كما في الطلاق.
وليس هذا التصرف راجعا الى تغيير أصل المفهوم حتى يكون المستعمل فيه من لفظ «البيع» عند الشارع مغايرا لما هو عند العرف ، بل المستعمل فيه واحد عندهما ، وهو ما يترتّب عليه الأثر المترقب كمبادلة إضافة الملكية ، غاية الأمر أنّ للبيع مثلا مصداقين حقيقيين أحدهما منسوب الى الشارع ومضاف اليه ، وهو موضوع للآثار الشرعية ، والآخر منسوب الى العرف وهو الموضوع للآثار الخاصة عندهم ، وينطبق على كليهما ذلك الجامع الوحداني أعني به «النقل المؤثّر» فيكون اختلاف العرف والشرع في ترتب الملكية عند أحدهما دون الآخر نظير اختلاف طائفتين في كون ما به التعظيم هو القيام خاصّة أو فعل آخر. والسّر في تعدد الأنظار حينئذ هو أنّ المعاملات لا حقائق لها وراء الاعتبار.
والمتحصّل : أنّ الموضوع له في مثل «البيع» بمعناه المصدري هو الإنشاء المؤثّر في النقل والانتقال ، فإن ترتّب عليه الأثر ـ ولو بنظر العرف ـ اتّصف بالصحة ، وإلّا كان فاسدا ، ويتوقف استعماله فيه مجازا على قرينة. وإرادة هذا المعنى من الصحة لا يمنع من الرجوع الى إطلاقات أدلّة الإمضاء كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
(١) كالإجارة والنكاح والرهن ونحوها من عناوين العقود والإيقاعات مما يكون رائجا عند العقلاء مع الغضّ عن الشرع.