غنيا لغناه ولا يرحموا مسكينا لمسكنته ، وفي قوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) فتذروا الحقّ فتجوروا ، (وَإِنْ تَلْوُوا) يعني : ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها».
أقول : إنّ العدل الإسلامي والحقّ الواقعي يقتضي عدم الفرق في القضاء ـ الّذي هو منصب إلهي به يصان أعراض الناس ويحفظ أموالهم ويراعى شؤونهم ـ بين الأصناف والأفراد ، بل الأديان السماويّة غير المنحرفة جاءت لتثبيت ذلك في الأرض ، والرواية لا تدلّ على شيء أزيد ممّا ذكرنا كما تقدّمت رواية علي بن إبراهيم الدالّة على ذلك.
وفي الدرّ المنثور في ضمن رواية : «انّ نبي الله موسى عليهالسلام قال : يا ربّ أي شيء وضعت في الأرض أقل؟ قال : العدل أقلّ ما وضعت».
أقول : وجود الشيء غير كميّته أو كيفيّته ، فأصل وجود العدل الّذي هو من ذاته الأقدس وبه قامت السموات والأرض وبه بعث الأنبياء والأوصياء موجود وممّا لا ريب فيه ، وهو من مظاهر صفاته وأسمائه ، وأما مقداره الّذي وضع في الأرض وجاء به الأنبياء ، فكان ذلك حسب أهليّة سكناها ، وهو غير معلوم فلو كان أكثر من القليل لما احتاجوا الناس إلى القضاء وما وقع الأنبياء عليهمالسلام في المشقّة والتعب ، والحكمة في ذلك أنّه بالأقلّ يميّز الخبيث من الطيب ، مع أنّ الأقلّ من الأمور الإضافيّة.
وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ، قال عليهالسلام : «سماّهم مؤمنين بإقرارهم ، ثم قال لهم : صدقوا له».
أقول : إقرارهم كان في عالم الذرّ كما في بعض الروايات ، وتصديقهم كان في عالم الشهادة ، والفرق بين عالم الذرّ والفطرة أنّ عالم الذرّ هو الفطرة قبل بعثة الأنبياء وقبل خلق عالم الشهادة ، والفطرة بعد البعثة ومجيء آدم عليهالسلام.
وبعبارة اخرى : عالم الذرّ عالم من العوالم ، والفطرة هي الّتي على ما هي عليه.