ومن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل. (وَكِتابٌ مُبِينٌ) الكتاب : ضم معنى إلى معنى ، والمعاني لا تقبل الضم إلى المعاني حتى تودع في الحروف والكلمات ، فإذا حوتها الكلمات والحروف قبلت ضم بعضها إلى بعض ، فانضمت بحكم التبع ، لانضمام الحروف ، وانضمام الحروف تسمى كتابة.
(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧)
ما أجهل من قال بهذا القول من أمة عيسى عليهالسلام ، فقد فاتهم علم كثير حيث قالوا : ابن مريم وما شعروا ، ولهذا قال الله تعالى في إقامة الحجة على من هذه صفته : (قُلْ سَمُّوهُمْ) فما يسمونهم إلا بما يعرفون به من الأسماء حتى يعقل عنهم ما يريدون ، فإذا سموهم تبيّن في نفس الاسم أنه ليس الذي طلب منهم الرسول المبعوث إليهم أن يعبدوه ، فمن دان بالصليب لحق بأهل القليب ، وادعي في عيسى عليهالسلام الألوهية لأنه كان ظاهرا في العالم باسم الدهر في نهاره ، وباسم القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم في ليله ، فكان يصوم الدهر ولا يفطر ، ويقوم الليل فلا ينام ، وما قيل ذلك في نبي قبله فإنه غاية ما قيل في العزيز : إنه ابن الله ، ما قيل هو الله ، فأثرت هذه الصفة من خلف حجاب الغيب في قلوب المحجوبين حتى قالوا : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) فنسبهم إلى الكفر في ذلك إقامة عذر لهم ، فإنهم ما أشركوا بل قالوا هو الله والمشرك يجعل مع الله إلها آخر ، فهذا كافر لا مشرك ، فوصفهم بالستر فإنهم اتخذوا ناسوت عيسى مجلى ، فتقع الحيرة في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى ، وهو من الخصائص الإلهية ، إذ يرى الصورة بشرا