فإن عينه ثابتة ، ولهذا أعاد الضمير عليه لوجوده في قوله : كنت سمعه ، فهذه الهاء هي عينه الذي الحق سمعها وبصرها ، وهذه القوى قد أخبر الحق أنه لما أحبك كان سمعك وبصرك ، فهو قواك ، فبه سلكت في طاعته التي أمرك أن تعمل نفسك فيها ، وتحلي ذاتك بها ، وهي زينة الله ، وهو سبحانه الجميل والزينة جمال ، فهو جمال هذا السالك ، فزينته ربه ، فبه يسمع ، وبه يبصر ، وبه يسلك ، ولا مانع من ذلك ، ولهذا قال : (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) لما أحبهم حين تقربوا إليه بنوافل الخيرات ، زينهم به ، فكان قواهم التي سلكوا بها ما كلفهم من الأعمال.
(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٣)
قوله تعالى : (وَالْإِثْمَ) قد يكون هنا الإثم اسم الخمر ، فإن العرب تسمي الخمر الإثم ، قال الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقلي |
|
كذلك الإثم يذهب بالعقول |
وثبت بهذه الآية أن الفاحشة هي فاحشة لعينها ، ولهذا حرمها الله ، فقيل لمحمد عليهالسلام : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي ما علم وما لم يعلم إلا بالتوقيف ، لغموض إدراك الفحش ، فكل محرم حرمه الله على عباده فهو فحش ، وما هو عين ما أحله في زمان آخر ولا في شرع آخر ، فهذا هو الذي بطن علمه ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : [إن سعدا لغيور ، وأنا أغير من سعد ، والله أغير مني ، ومن غيرته حرم الفواحش] فجعل الفواحش حراما محرما ، كما حرم مكة وغيرها ، فتخيل من لا علم له أن ذلك إهانة ، وهو تعظيم ، إذ هو من شعائر الله وحرماته ، والله يقول : (مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) فالتحريم دليل على التعظيم ، فما أمرك الله إلا بما هو خير لك وهو عند الله عظيم ، وما نهاك إلا عما هو تركه خير لك لعظيم حرمته عنده ، فمن غيرته حرم الفواحش ليفتضح المحبون في دعواهم محبته ، فغار أن يدعي الكاذب دعوى الصادق ، ولا يكون ثم ميزان يفصل بين الدعوتين ، فحرم الفواحش ، فمن ادعى محبته وقف عند حدوده ، فتبين الصادق من