السلام إلا من كونها واجبة وجوبا عقليا ، والمعلوم إذا شوهد تعطي مشاهدته أمرا لا يمكن أن يحصل من غير مشاهدة ، كما قيل.
ولكن للعيان لطيف معنى |
|
لذا سأل المعاينة الكليم |
فإنه ليس حكم من شاهد الأمور حكم من لم يشاهدها إلا بالإعلام ، فللعيان حال لا يمكن أن يعرفه إلا صاحب العيان ، كما أن للعلم حالا لا يعرفه إلا أولو العلم ، ليس لغيرهم فيه ذوق ، وما أسمع الرحمن كلامه بارتفاع الوسائط إلا ليتمكن الاشتياق في السامع إلى رؤية المتكلم ، لما سمعه من حسن الكلام ، فتكون رؤية المتكلم أشد ، ولا سيما ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إن الله جميل يحب الجمال ، والجمال محبوب لذاته ، وقد وصف الحق نفسه به ، فشوق النفوس إلى رؤيته ، وما شوق الله عباده إلى رؤيته بكلامه سدى ، ولو لا أن موسى عليهالسلام فهم من الأمر إذ كلمه الله بارتفاع الوسائط ما جرأه على طلب الرؤية ما فعل ، فإن سماع كلام الله تعالى بارتفاع الوسائط عين الفهم عنه ، فلا يفتقر إلى تأويل وفكر في ذلك ، وإنما يفتقر من كلمة الله بالوسائط من رسول أو كتاب ، فلما كان عين السمع في هذا المقام عين الفهم ، سأل الرؤية ، ليعلم التابع ومن ليست له هذه المنزلة عند الله ، أن رؤية الله ليست بمحال ، وقد شهد الله لموسى أنه اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه ، فهل رآه في وقت سؤاله بالشرط الذي أقامه له كما ورد في نص القرآن (انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) أو لم يره؟ والاية محتملة المأخذ ، فإنه ما نفى زمان الحال عن تعلق الرؤية ، وإنما نفى الاستقبال بأداة سوف ، ولا شك أن الله تجلى للجبل وهو محدث ، وتدكدك الجبل لتجليه ، فحصل لنا من هذا رؤية الجبل ربه التي أوجبت له التدكدك ، فقد رآه محدث ، فما المانع أن رآه موسى عليهالسلام في حال التدكدك ووقع النفي على الاستقبال؟ ما لذلك مانع لمن عقل ، ولا سيما وقد قام الصعق لموسى عليهالسلام مقام التدكدك للجبل ، قال تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) لما كلم موسى عليهالسلام ربه أدركه الطمع فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فسأله ما يجوز له السؤال فيه ، إذ كانت الرسل أعلم الناس بالله ، وأنه ذو إدراك يدركه به ، وأنه المدرك بالإدراك لا الإدراك ، فإنه عالم بأن الأبصار لا تدركه ، وإنما هي آلة يدرك بها ، فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) بعيني ، فإن الرؤية بأداة إلى رؤية العين ، فقال له الحق : (لَنْ تَرانِي) بعينك ،