لها إذا وقعت ، والجبل موصوف بالثبوت في نفسه وبالإثبات لغيره ، إذ كان الجبل هو الذي يسكّن ميد الأرض ، ويقال فلان جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشدائد والأمور العظام ، فلهذا أحاله على الجبل الذي من صفاته الثبوت ، فإن ثبت الجبل إذا تجليت له ، فإنك ستراني من حيث ما فيك من ثبوت الجبل.
فرؤية الله لا تطاق |
|
فإنها كلها محاق |
فلو أطاق الشهود خلق |
|
أطاقه الأرض والطباق |
لهذا قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أرأيت ربك؟ قال نور أنّي أراه ـ تحقيق ـ فإن قلت : إنك تزعم أن أهل الله الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالون دنيا وآخرة في مشاهدة عينية وإن اختلفت الصور ، فلا يقدح ذلك عندهم ، فموسى أحق بهذه الصفة من الولي ، وقد سأل الرؤية ، قلنا : قد ثبت عندك إن كنت مؤمنا ـ وإن لم تكن من أهل الكشف ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد أخبر أن الله يتجلى في صورة ويتحول إلى صورة ، وأنه يعرف وينكر ، إن كنت مؤمنا لا تشك في هذا ، وأنه قد بيّن أن التجلي في الصور بحسب قدر المتجلى له ، فإذا علمت هذا ، تعلم أن موسى قد رأى الحق بما هو متجل للأولياء ، إذ علم أنه يتجلى للأولياء في صور مختلفة ، لأن موسى ولي لله ، وقد علم ذلك ، ومثل هذا فلا يخفى ، وإنما سأل التجلي في الصورة التي لا يدركها إلا الأنبياء ، ومن الأنبياء من خصه الله بمقام لم ينله غيره ، كالكلام بارتفاع الوسائط لموسى عليهالسلام ، فطلب موسى عليهالسلام من ربه أن يراه في تلك الصورة التي يطلبها مقامه ، وأما رؤيته إياه في الصورة التي يراها الأولياء فذلك خبره وديدنه ، فإن قلت : قال تعالى : (لَنْ تَرانِي) ولن تنفي الأفعال المستقبلة ، قلنا : إن الحق ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه ، أو ما يكون عليها بعد ذلك فينكره ، حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله علمه وعلم ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، فالصورة صورتك ، فصدق (لَنْ تَرانِي) واعلم أنه ليس هناك منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور ، ولو لم يكن المتجلى له على استعداد أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون له هذا التجلي ، فالحق متجل دائما ، والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، ولا يخلو أن يكون له أيضا