فاللوح المحفوظ هو المعبر عنه بكل شيء في الكتاب العزيز من باب الإشارة والتنبيه ، تسمية إلهية ، ومنه كتب الله كتبه وصحفه المنزلة على رسله ـ إشارة ـ كان في ألواح موسى عليهالسلام تفصيل كل شيء علم ، ولمحمد صلىاللهعليهوسلم جوامع الكلم.
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٤٦)
اعلم أن الله ما صرف أحدا عن الآيات إلا وقد صرفه عن العلم بالأمر على ما هو عليه الأمر والشأن ، والآيات التي صرف العبد عنها هي الآيات التي أراها لمن أراها في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، فلا تكن من الذين صرفوا عن الآيات ، فإن الذين صرفوا عنها حجبوا بنفوسهم ، فنسبوا إليها ما ليس لها ، فعموا عن الآيات ، فحلّت بهم الآفات ـ الوجه الثاني ـ الآية هنا من حيث كونها معجزة لا من حيث كونها آية فقط ، فإن المعجزة إذا كانت مقدورة للبشر ادعي الصرف عنها مطلقا ، فلا تظهر إلا على يدي من هو رسول إلى يوم القيامة ، فإن المعجزات نصبت للخصم الألد الفاقد نور الإيمان ، لذلك قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) فمن تكبر من الخلق بغير الحق فما هو كبير في نفس الأمر ، وإنما هي دعوى حال لا وجود له في عين المدعي ، والحق هو الذي له الكبرياء ، فما سمي متكبرا إلا لكون الدعوى ما ظهرت إلا في محل ما له الكبرياء ، فالمتكبر في الأرض بغير الحق أجهل الجاهلين ، لأنه وضع الكبرياء في غير موضعه ، إذ من شرطه أمران : الواحد : الحق الذي يقبله المخلوق ، والثاني : العلو ، ومن تكبر في الأرض بالحق ، فالحق له العلو بالذات والسمو ، لم يصرف الله عنه الآيات ، فيريه إياها تشريفا ، فإذا رآها تبيّن له عين الحق ، فإنه ما رآها إلا بالحق ، والموفقون هم الذين إذا رأوا سبيل الرشد اتخذوه سبيلا ، فيمشي بهم إلى السعادة الأبدية ، فإنهم نسبوا تكوين الآيات إلى الحق ، وأن قوى سلطان الطبيعة إنما هو في قبولها لما يكونه الحق فيها ، وأما الذين نسبوا التكوين إلى الطبيعة وأضافوه إليها ونسوا الحق بها فأنساهم أنفسهم إذ صرفهم عن آيات أنفسهم (وَكانُوا عَنْها