الوجود ينعدم في حقهم ، فلا يرون إلا الله ولا يبقى للعالم عندهم ما يلتفتون به إليه في جنب الله ، ومع ذلك فقد أخبرنا الحق عنه أنه قال لأخيه موسى في وقت غضبه (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) فجعل لهم قدرا ، وهذا هو الواقع ، لأن العالم ما زال عند من زال عندهم في نفس الأمر ، فنقصهم من العلم بما هو الأمر عليه على قدر ما فاتهم ، فعندهم عدم العالم ، فنقصهم من الحق على قدر ما انحجب عنهم من العالم ، فإن العالم كله هو عين تجلي الحق لمن عرف الحق ، ثم رد موسى عليهالسلام وجهه إلى السامري فقال له : (فَما خَطْبُكَ) أي ما حديثك (يا سامِرِيُّ) فقال له السامري ما رآه من صورة الثور الذي هو أحد حملة العرش ، فظن أنه إله موسى الذي يكلمه ، فلذلك صنعت لهم العجل ، وعلمت أن جبريل ما يمر بموضع إلا حيي به ، لأنه روح ، فلذلك قبضت من أثره ، لعلمه بتلك القبضة ، فنبذتها في العجل فخار ، فما فعله السامري إلا عن تأويل فضلّ وأضلّ ، وقبل موسى عليهالسلام عذر أخيه ، وأما الذين عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفكري حقه للاحتمال الداخل في القصة ، فما عذرهم الحق ، ولا وفّى عابدوه النظر في ذلك.
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (١٥١)
(وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) بعباده.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (١٥٤)
لما سكن عن موسى الغضب أخذ الألواح ، فما وقعت عيناه مما كتب فيها إلا على الهدى والرحمة ، فإنه بالضدّ يزول الضد ، فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ