أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ومن لم يلزم الأدب الشرعي لم يغضب لله ، والغضب لله أسلم وأنجى وأحسن بالإنسان ، فإن فيه لزوم الأدب المشروع ، ولما كان الغضب في أصل جبلة الإنسان ، كالجبن والحرص والشره ، بيّن الحق له مصارف إذا وقع من العبد واتصف به ، وللتسليم محال ومواضع قد شرعت ، التزم بها الأدباء ، حالا وغاب عنها أصحاب الأحوال ، ولعدم التسليم محال ومواضع قد شرعت ، فالأديب هو الواقف من غير حكم حتى يحكم الشارع الحق ، وهو خير الحاكمين ، فإذا وقف الأديب حيث حكم لا يزيد ولا ينقص ، والغضب صفة باطنة في الإنسان قد يكون لها أثر في الظاهر وقد لا يكون ، فإن الحال أغلب ، والأحوال يعلو بعضها على بعض في القهر والغلبة على من قامت بهم ، وأما الغضب لغير الله ، فالطبع البشري يقتضي الغضب والرضى ، يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر وأرضى كما يرضى البشر] ـ الحديث ـ.
(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (١٥٥)
جزى الله عنا موسى عليهالسلام خيرا ، إذ ترجم عنا بقوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أي اختبارك ، اختبرت بها عبادك (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) أي تحيره (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) أي تبين له طريق نجاته فيها (أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) بستر جلاله ، وأي غفر أشد من حيرة العقول ، وما خاطب الحق إلا العقول ، ونصب أدلتها متقابلة ، فما أثبته دليل نفاه الآخر ، فاختبرت عبادك بالأدلة ، وما ثم دليل يوصل إليك.
(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ