ظهره ، وقلت له : يا ملعون إن الله قد قيدها بنعوت مخصوصة يخرجها من ذلك العموم ، فقال : (فَسَأَكْتُبُها) فتبسم إبليس وقال : يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ ، ولا ظننت أنك ها هنا ، ألست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك لا صفته؟ قال سهل : فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي ، وأقام الماء في حلقي ، ووالله ما وجدت جوابا ، ولا سددت في وجهه بابا ، وعلمت أنه طمع في مطمع ، وانصرف وانصرفت ، ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون ، فإن الله سبحانه ما نص بما يرفع هذا الإشكال ، فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه ، لا أحكم عليه في ذلك بأمد ينتهي أو بأمد لا ينتهي ، فهذا إبليس ينتظر رحمة الله أن تناله من عين المنة والجود المطلق ، الذي به أوجب على نفسه سبحانه ما أوجب ، وبه تاب على من تاب وأصلح ، فالحكم لله العلي الكبير عن التقييد في التقييد ، فلا يجب على الله إلا ما أوجبه على نفسه ، وبقيت الرحمة مطلقة ينتظرها من ينتظرها من عين المنة التي كان منها وجوده ، فمهما رأيت الوجوب فاعلم أن التقييد يصحبه ، فإن الله تعالى رحمن بعموم رحمته التي وسعت كل شيء ، رحيم بما أوجب على نفسه لعباده ، فهو رحمن في العموم ، رحيم في الخصوص ، وهو رحمن برحمة الامتنان ، رحيم بالرحمة الخاصة ، وهي الواجبة في قوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الآيات ، وقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ، وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ، وبها نال العاصي وأهل النار إزالة العذاب وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم. ومن صفة من وجبت لهم الرحمة : ـ
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١٥٧)
الضمير في (يَجِدُونَهُ) و (يَأْمُرُهُمْ) يعود على أهل الكتاب ، بأنه نبي مبعوث إليهم