علمه شك ولا شبهة (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) يخاطب مؤمنا وإيمانا أي يفهمكم الله معاني القرآن ، فتعلموا مقاصد المتكلم به ، لأن فهم كلام المتكلم ما هو ، بأن يعلم وجوه ما تتضمنه تلك الكلمة بطريق الحصر مما تحوي عليه مما تواطأ عليه أهل اللسان ، وإنما الفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكلام ، هل قصد جميع الوجوه التي يتضمنها ذلك الكلام أو بعضها؟ فينبغي لك أن تفرق بين الفهم للكلام أو الفهم عن المتكلم وهو المطلوب ، فكل من فهم عن المتكلم فقد فهم الكلام ، وما كل من فهم الكلام فهم عن المتكلم ما أراد به على التعيين ، إما كل الوجوه أو بعضها ، وقوله تعالى : (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) هو علم الكشف ، وهو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) وقال صلىاللهعليهوسلم : [من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يكن يعلم] وهو علم مكتسب بالتقوى لا علم وهبي ، فإن التقوى جعلها الله طريقا إلى حصول هذا العلم ، والعلم الوهبي لا يحصل عن سبب بل من لدنه سبحانه ، فيجعل الله له فرقانا من العلوم الإلهية المغيبة عن أكثر الخلق ، فرقانا تفرقون به بين الله وبين الآلهة التي عبدها المشركون ، فرقانا تفرقون به بين ما أدركتموه من الله بالعلم الخبري وبالعلم النظري وبالعلم الحاصل عن التقوى» رقانا تميزون به ، ومن ذلك تفرقون بين ما ينبغي له وما ينبغي لكم ، فيعطى كل ذي حق حقه ، فالعلم بالله عن التقوى أعلى المراتب في الأخذ ، فإن له الحكم الأعم على كل حكم وعلى كل حاكم بكل حكم ، ومن ادعى التقوى ولم يحصل له هذا الفرقان فما صدق في دعواه. واعلم أيدك الله بروح القدس أن المتقي بمجرد تقواه قد حصل في الفرقان ، إذ لو لم يفرق ما اتقى ، وهذا الفرقان الذي أنتجته التقوى لا يكون إلا بتعليم الله ليس للنظر الفكري فيه طريق غيره ، فإنه ما تقدم لنبي قط قبل نبوته نظر عقلي في العلم بالله ، ولا ينبغي له ذلك ، وكذلك كل ولي مصطفى لا يتقدم له نظر عقلي في العلم بالله ، وكل من تقدمه من الأولياء علم بالله من جهة نظر فكري فهو وإن كان وليا فما هو مصطفى ولا هو ممن أورثه الله الكتاب الإلهي ، وسبب ذلك أن النظر يقيده في الله بأمر ما يميزه به عن سائر الأمور ، ولا يقدر على نسبة عموم الوجود لله ، فما عنده سوى تنزيه مجرد ، فإذا عقد عليه فكل ما أتاه من ربه مخالف عقده ، فإنه يرده ويقدح في الأدلة التي تعضد ما جاءه من عند ربه ، فمن اعتنى الله به عصمه قبل اصطفائه من علوم النظر ، واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ، ورزقه الإيمان بالله