الجامع للرغبة فيه ، والرغبة عنه ، فإنه المعطي المانع ، والضار النافع ، وأحب إليك من رسوله الوافد عليك المعرف بما هو حجاب عن المقصود ، وستر بين العابد والمعبود ، مع علمك بما أعلمك أنه ما خلقك إلا لتعبده ، وتؤثره على ما تراه وتقصده ، وأحب إليك من جهادك في سبيل الله الذي يجمع لك بين الحياتين فلا تعرف للموت طعما ، ولا للحصر حكما (فَتَرَبَّصُوا) كلمة تهديد ووعيد ، والتربص : نقيض الفرار المأمور به وهو قوله تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فتعرف عند ذلك خيره من شره ، وحلوه من مره ، وتذوق شهده من صبره ـ تفسير من باب الإشارة ـ اعلم أن قوله تعالى : (فَتَرَبَّصُوا) عقيب ما تعدد من الأعيان إذن وأمر بالتربص إن كان الله مشهودا لكم في كل ما ذكرناه ، فإن ذلك الشهود هو المطلوب بالفرار إلى الله ، لأن الله أمرنا بالفرار إلى الله ، وقوله : (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) أي من أجل الله أي شهودكم الله في هذه الأعيان أحب إليكم من شهودكم إياه في أعيان غيرها ، للمناسبة القريبة بينكم وبين هذه الأشياء المذكورة ، وإن كان الكامل يشهده في كل عين ، ولكن بعض الأعيان قد يكون لبعض الأشخاص أحب من أعيان أخر ، وقوله : (وَرَسُولِهِ) مثل قوله : (مِنَ اللهِ) أي ومن أجل رسوله حيث أمركم ببر هؤلاء ، وجعل لهم حقوقا عليكم فحقوق الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشائر معلومة ، منصوص عليها لا تخفى على من وقف على العلم المشروع ، وكذلك حقوق الأموال ، نعم المال الصالح للرجل الصالح ، وحقوق التجارة معلومة ، فإن صدق التجارة لا يكون لغيرها ، والتاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والشهداء كذا قال صلىاللهعليهوسلم وقوله : (تَخْشَوْنَ كَسادَها) يقول تخافون أن تتركوها لأجل الكساد طلبا للأرباح ، وأي ربح أعظم من ربح صدق التاجر وقوله : (وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) أي ومن أجل أيضا شهودكم إياه تعالى في الجهاد في سبيله لأنه أمركم بهذا ، وعلمتم أن مشهودكم في كل ما ذكرناه ولما ذكرناه منزلة شريفة عندكم (فَتَرَبَّصُوا) أي لا تفروا فإنه ما أمرنا بالفرار إلّا لكوننا ليست لنا هذه المشاهدة. وقوله : (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) وهو قيام الساعة ، أو الموت الذي يخرجكم عن مشاهدة هؤلاء وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) يقول الخارجين عن حكم هذه المشاهدة التي أنتم فيها ، والتي دعيتم إليها ، فما هي في حق أصحاب هذا النظر آية وعيد ، وإنما هي آية وعد وبشرى ، وتقرير حال وسكون أي تربصوا إذا كان هذا