أبو عبد الله محمد الترمذي الحكيم ، وذكر القرطبي حديث يعلى عن أبي بكر النخاد ، وهذا يحقق أن القدم فيما ذكرناه أمران : أحدهما أن نور الإيمان يكفر جميع أسباب الكفر والمعاصي ، وهي أسباب ، فكما يطفىء أسبابها في الدنيا ، فكذلك حقيقته تطفىء حقيقتها في الآخرة ، والثاني نسبته إلى رب العزة ، وهو صاحب العزة ومالكها ، والعزة إن كانت جميعا لله تعالى بمقتضى قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) لكنه قد نسبها لرسوله وللمؤمنين في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فما من مؤمن إلا وهو صاحب العزة ، فإذا وضع قدمه حق للنار أن تضج منه وتنزوي وتنطفىء نارها بما له من نور العزة ، وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم [فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول : قط قط ، فهناك تمتلىء وتنزوي بعضها إلى بعض ، فلا يظلم الله من خلقه أحدا] وذكر الحديث ، وهو غير مناف لما ذكرناه ، ومرجعه للحديث الصحيح [ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ـ إلى قوله ـ ورجله التي يمشي بها] فإنه يقتضي تحقق رجل المؤمن بنور التوحيد ، حتى تكون منسوبة إلى الله تعالى ، وحينئذ فهو موافق لما تقدم من القدم ، وانزواؤها بعضها إلى بعض فيه حكمتان : إحداهما أنها عندما تضج بسبب نور العزة من أقدام المؤمنين ، فيخرجون منها ، لخلو مواضعهم ، فلو بقيت كذلك لما كانت مملوءة ، وهو مناف لقوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية ، وأيضا ربما كان في ذلك تخفيف على أهلها ، فاقتضت الحكمة أنها حينئذ تنضم وتجتمع على أهلها المتكبرين وتمتليء بهم ، تحقيقا للوعيد وزيادة في العذاب ، والحكمة الثانية أنها لو بقيت مواضع المؤمنين خالية من النار ، لم يتم لهم سرورهم بالأمن منها ، لعلمهم بأن الله وعدها أنه يملؤها ، فربما توقعوا الإعادة ، فكان في انزوائها وانضمامها على أهلها وامتلائها بهم تأمين للمؤمنين ، كما ذبح الموت بين الفريقين تحقيقا للخلود ـ إشارة ـ اعلم أن نعلي قدم الصدق هما الخوف والرجاء [راجع قوله تعالى لموسى عليهالسلام (اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس) سورة طه آية رقم (١٢)].
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى