النار (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) يقول تعالى (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) كما عاد أصحاب الفلك إلى شركهم وبغيهم بعد إخلاصهم لله (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤)
(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيما أخفاه الله من غامض حكمته في أحكامه ، واعلم أن الله تعالى أعطانا قوة الفكر لننظر بها فيما يعرفنا بأنفسنا وبه ، ولننظر بها في الآيات في الآفاق وفي أنفسنا ليتبين لنا بذلك أنه الحق ، واختلفت الأمزجة والأمشاج ، فاختلفت المقالات في الله اختلافا كثيرا من قوة واحدة وهي الفكر ، وما جعل الله تعالى الفكر إلا ليعلم أنه لا يعلم أمر من الأمور إلا بالله ، لا ليعلم العقل الله تعالى به ، فيكون طلسما على العقول.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢٥)
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) فإن الله تعالى الهادي إليها ، والسلام اسمه تعالى ، والعارفون لا يزالون يسمعون دعاء الحق في قلوبهم مع أنفاسهم ؛ فهم ينتقلون من حال إلى حال بحسب ما يدعوهم إليه الحق ، وهكذا المؤمنون الصادقون في الدنيا ، بما دعاهم الشرع إليه في جميع أفعالهم ، وإجابتهم هي العاصمة لهم من وقوعهم في محظور ، فهم ينتقلون من حال إلى حال لدعاء ربهم إياهم ، فهو داع أبدا ، والعارف غير محجوب السمع فهو مجيب أبدا ، جعلنا الله ممن شق سمعه دعاء ربه ، وشق بصره لمشاهدة تجليه ، فالتجلي لا ينقطع ، فشهود الحق ما لا يرتفع ، فدوام لدوام ، واهتمام لاهتمام.