وكذلك الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في المسجد الأقصى ، وهكذا فضل الصلاة في المسجد الأقصى على سائر المساجد ، ويتفاضلون أيضا بالأحوال فإن الصلاة في الجماعة في الفريضة أفضل من صلاة الشخص وحده ، وأشباه هذا ، ويتفاضلون بالأعمال فإن الصلاة أفضل من إماطة الأذى ، وقد فضل الله الأعمال بعضها على بعض ، ويتفاضلون أيضا في نفس العمل الواحد ، كالمتصدق على رحمه ، فيكون صاحب صلة رحم وصدقة ، والمتصدق على غير رحمه دونه في الأجر ، وكذلك من أهدى لشريف من أهل البيت أفضل ممن أهدى لغير شريف أو بره أو أحسن إليه ، ووجوه المفاضلة كثيرة في الشرع والرسل عليهمالسلام إنما ظهر فضلها في الجنة على غيرها بجنة الاختصاص ، وأما بالعمل فهم في جنات الأعمال بحسب الأحوال ، ونشأة الإنسان في الآخرة لا تشبه نشأة الدنيا وإن اجتمعتا في الأسماء والصورة الشخصية ، فإن الروحانية على نشأة الآخرة أغلب من الحسية فيكون الإنسان بعينه في أماكن كثيرة واعلم أن جنة الأعمال مائة درجة لا غير ، كما أن النار مائة درك ، غير أن كل درجة تنقسم إلى منازل ، وهذه المائة درجة في كل جنة من الثماني جنات ، وصورتها جنة في جنة وأعلاها جنة عدن ، وهي قصبة الجنة فيها الكثيب الذي يكون اجتماع الناس فيه لرؤية الحق تعالى ، وهي أعلى جنة في الجنات والتي تلي جنة عدن ، إنما هي جنة الفردوس وهي أوسط الجنات التي دون جنة عدن وأفضلها ، ثم جند الخلد ثم جنة النعيم ثم جنة المأوى ثم دار السلام ثم دار المقامة ، وأما الوسيلة فهي أعلى درجة في جنة عدن وهي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حصلت له بدعاء أمته ، فعل ذلك الحق سبحانه حكمة أخفاها ، فإنا بسببه نلنا السعادة من الله ، وبه كنا خير أمة أخرجت للناس ، وبه ختم الله بنا الأمم كما ختم به النبيين ، وهو صلىاللهعليهوسلم بشر كما أمر أن يقول ، فأمرنا عن أمر الله أن ندعو له بالوسيلة حتى ينزل فيها وينالها بدعاء أمته ، وهذا من باب الغيرة الإلهية ، وأهل الجنة أربعة أصناف الرسل وهم الأنبياء ، والأولياء وهم أتباع الرسل على بصيرة وبينة من ربهم ، والمؤمنون وهم المصدقون بهم عليهمالسلام والعلماء بتوحيد الله أنه لا إله إلا الله من حيث الأدلة العقلية ، وهؤلاء الأربع طوائف يتميزون في جنات عدن عند رؤية الحق في الكثيب الأبيض ، وهم فيه على أربع مقامات : طائفة منهم أصحاب المنابر وهي الطبقة العليا الرسل والأنبياء ، والطائفة الثانية هم الأولياء ورثة الأنبياء قولا وعملا وحالا وهم على بينة من ربهم ، وهم أصحاب الأسرة