المغيبة ، إلا إن أطلعه الله على شيء من الغيب مما علّمه الله ، فله أن يدعو به مما لا يكون مزيلا لما قرره الشرع بالتواتر عندنا ، أي على طريق يفيد العلم ، وذلك أن الوحي كله موجود في رجال الله من الأولياء ، والذي اختص به النبي من هذا دون الولي الوحي بالتشريع ، فلا يشرع إلا النبي ، ولا يشرع إلا رسول خاصة ، فيحلل ويحرم ويبيح ويأتي بجميع ضروب الوحي ، والأولياء ليس لهم من هذا الأمر إلا الإخبار بصحة ما جاء به هذا الرسول وتعيينه ، حتى يكون هذا التابع على بصيرة فيما تعبده به ربه على لسان هذا الرسول ، إذا كان هذا الولي لم يدرك زمانه حتى يسمع منه كما سمع أصحابه ، فصار هذا الولي بهذا النوع من الخطاب بمنزلة الصاحب الذي سمع من لفظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما شرع قال تعالى (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وقال تعالى (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فما جاء إلا بالإعلام ، فما أغلق باب التنزل بالعلم بالشريعة على قلوب أوليائه ، وأبقى لهم التنزل الروحاني بالعلم بها ليكونوا على بصيرة في دعائهم إلى الله بها ، كما كان من اتبعوه وهو الرسول ، فهو أخذ لا يتطرق إليه تهمة لاحتمال التأويل وما يتطرق إلى الناظر صاحب الدليل إلى دليله من الدخل عليه فيه ، فإن من يدعو إلى الله على بصيرة فإن علمه من حق اليقين ، أي حق استقراره في القلب ، لا يزلزله شيء عن مقره ، فهو إدراك الأمر على ما هو ، لأنه علم محقق ، لذلك جاء في القرآن (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) وهم هؤلاء الذين ذكرناهم ، فرب حديث صحيح من طريق رواية الثقات عندنا ليس بصحيح في نفس الأمر ، فنأخذه على طريق غلبة الظن لا على العلم ، وهذه الطائفة التي ذكرناها تأخذه من هذا الطريق فتكون من عدم صحة ذلك الخبر الصحيح عندنا على بصيرة أنه ليس بصحيح في نفس الأمر ، وبالعكس ، وهو أن يكون الحديث ضعيفا من أجل ضعف الطريق ، من وضّاع فيه أو مدلس ، وهو في نفس الأمر صحيح ، فتدرك هذه الطائفة صحته ، فتكون فيه على بصيرة ، فهؤلاء هم ورثة الأنبياء لاشتراكهم في الخبر ، وانفراد الأنبياء بالتشريع ، واشترك الرسول ومن اتبعه في الدعوة إلى الله على بصيرة ، ومنها الأخذ عن الله مباشرة دون واسطة ، ومن هذا المقام قال أبو يزيد البسطامي : حدثني قلبي عن ربي ، فأنكر عليه من أنكر وغاب عنه نص الكتاب وهو هذه الآية ، فكل علم لا يكون حصوله عن كشف بعد فتح الباب يعطيه الجود الإلهي ويبديه ويوضحه فهو شعور لا علم ،