وليس ينبغي لعاقل أن يدعو إلى أمر حتى يكون من ذلك الأمر على بصيرة ، وهو أن يعلمه رؤية وكشفا بحيث لا يشك فيه ، وما اختصت بهذا المقام رسل الله ، بل هو لهم ولأتباعهم الورثة ، ولا وارث إلا من كمل له الاتباع في القول والعمل والحال الباطن خاصة ، فإن الوارث يجب عليه ستر الحال الظاهر ، فإن إظهاره موقوف على الأمر الإلهي الواجب ، فإنه في الدنيا فرع والأصل البطون ، ولهذا احتجب الله في العموم في الدنيا ، وفي الآخرة يتجلى عامة لعباده ، فإذا تجلى لمن تجلى له على خصوصه كتجليه للجبل ، كذلك ما ظهر من الحال على الرسل من جهة الدلالة على صدقه ليشرّع لهم ، والوارث داع لما قرره هذا الرسول ، وليس بمشرع ، فلا يحتاج إلى ظهور الحال كما احتاج إليه المشرع ، فالوارث يحفظ بقاء الدعوة في الأمة عليها ، وما حظه إلا ذلك ، حتى إن الوارث لو أتى بشرع ـ ولا يأتي به ـ ولكن لو فرضناه ما قبلته منه الأمة ، فلا فائدة لظهور الحال إذا لم يكن القبول كما كان للرسول ، فما أظهر الله عليهم من الأحوال فذلك إلى الله لا عن تعمد ولا قصد من العبد ، وهو المسمى كرامة في الأمة ، فالذي يجهد فيه ولي الله إنما هو فتح ذلك الباب ليكون من الله في أحواله عند نفسه على بصيرة ، لا أنه يظهر بذلك عند خلقه ، فكرامة مثل هذا النوع علمه بالله وما يتعلق به من التفضيل في أسمائه الحسنى وكلماته العليا ، فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن من اتبعه يدعو إلى الله على بصيرة ، فجعل الله التابع هنا على صورة نبيه صلىاللهعليهوسلم في نوره وإمداده ، فإن المؤمن إذا أجاب ومشى إلى ربه على الطريقة التي شرع له هذا الرسول فإنه يصل إلى الله ، فيتلقاه الحق تلقي إكرام وهبات ومنح وعطايا ، فصار يدعو إلى الله على بصيرة كما دعا ذلك الرسول ، فكل من أخذ عن النبوة النور ودعا إلى الله على بصيرة فذلك الدعاء والنور الذي يدعو به هو نور الإمداد الإلهي ، لا النور الذي اقتبسه من سراج النبوة ، فينسب إلى الله في ذلك لا إلى الرسول ، فيقال عبد الله ، وهو الداعي إلى الله عن أمر الله بوساطة رسول الله ، بحكم الأصل لا بحكم ما فتح الله به عليه في قلبه من العلوم الإلهية التي هي فتح عين فهمه لما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من القرآن والأخبار ، لا أن هذا الداعي يأتي بشرع جديد ، وإنما يأتي بفهم جديد في الكتاب العزيز لم يكن غيره يعرف أن ذلك المعنى في ذلك الحرف المتلو أو المنقول ، فللرسل صلوات الله عليهم وسلامه العلم ولنا الفهم وهو علم أيضا ، فالبصيرة هي الدرجة التي تقع فيها المشاركة مع الأنبياء