إلى الله في أحكامه على بصيرة ، وغاية المجتهدين من علماء الرسوم ، الذين لم يتبعوا الرسول صلىاللهعليهوسلم في أفعاله ولا اقتدوا به ، الحكم بغلبة الظن ، فكان ما أتوا به علما في نفسه ظنا لهم ، فدعوا إلى الله على غير بصيرة ، والبصيرة التي يكون عليها الداعي والبينة إنما ذلك فيما يدعو إليه ، وليس إلا الطريق إلى السعادة ، لا إلى العلم بالله ، فإنه إذا دعا إلى العلم أيضا إنما يدعو إلى الحيرة على بصيرة أنه ما ثم إلا الحيرة في الله ، لأن الأمر عظيم والمدعو إليه لا يقبل الحصر ولا ينضبط ، فليس في اليد منه شيء ، فما هو إلا ما تراه في كل تجل ، والحق لا يتجلى في صورة مرتين ، فهؤلاء الأتباع هم العلماء بالله من أهل الله الذين أقامهم الحق مقام الرسل في الدعوة إلى الله بلسان حق عن نبوة مطلقة ، اعتنى بهم في أن وصفهم بها لا نبوة الشرائع ، بل نبوة حفظ لأمر مشروع على بصيرة من الحافظ لا عن تقليد ، (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١١١)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان الله نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولو لا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).