ظهرت الصور والأشكال والأعراض وجميع القوى الروحانية والحسية ، وربما قيل : هو المعبر عنها بلسان الشرع العماء الذي هو للحق قبل خلق الخلق ، ما تحته هواء وما فوقه هواء ، فذكره وسماه باسم موجود يقبل الصور والأشكال ، وعلى ذلك فثبوت عين الممكن في العدم به يكون التهيؤ لقبول الآثار ، وثبوته في العدم كالبذر لشجرة الوجود ، فهو في العدم بذرة وفي الوجود شجرة.
ثبوت العين في الإمكان بذر |
|
ولو لا البذر لم يك ثم نبت |
ظهوري عن ثبوتي دون أمر |
|
إلهي محال حين كنت |
فلو لا ثبوت العين ما كان مشهودا |
|
ولا قال كن كونا ولا كان مقصودا |
فما زال حكم العين لله عابدا |
|
وما زال كون الحق للعين معبودا |
فلما كساه الحق حلة كونه |
|
وقد كان قبل الكون في الكون مفقودا |
تكونت الأحكام فيه بكونه |
|
فما زال سجّادا فقيدا وموجودا |
وحكم الثبوت بين الله والخلق خلاف حكم الوجود ، فبحكم الوجود يكون الخلق هو الذي ثنى وجود الحق ، وليس لحكم الثبوت هذا المقام ، فإن الخلق والحق معا في الثبوت ، وليس معا في الوجود ولنشرح لك ذلك المعنى : اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها ، وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد ، وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العدم المطلق الذي هو عدم لنفسه ، وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ، وهو في مقابلة الوجود المطلق ، فكانا على السواء حتى لو اتصفا لحكم الوزن عليهما ، وما من نقيضين إلا وبينهما فاصل ، به يتميز كل واحد من الآخر ، وهو المانع أن يتصف الواحد بصفة الآخر ، وهذا الفاصل الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق ، لو حكم الميزان عليه لكان على السواء في المقدار من غير زيادة ولا نقصان ، وهذا هو البرزخ الأعلى ، وهو برزخ البرازخ ، له وجه إلى الوجود ووجه إلى العدم ، فهو يقابل كل واحد من المعلومين بذاته ، وهو المعلوم الثالث ، وفيه جميع الممكنات ، وهي لا تتناهى ، كما أنه كل واحد من المعلومين لا يتناهى ، وللممكنات في هذا البرزخ أعيان ثابتة من الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق ، ومن هذا الوجه ينطلق عليها اسم الشيء الذي إذا أراد الحق إيجاده قال له : كن فيكون ،