وليس له أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه منه العدم المطلق ، ولهذا يقال له : كن ، وكن حرف وجودي ، فإنه لو أنه كائن ما قيل له : (كُنْ) وهذه الممكنات في هذا البرزخ بما هي عليه وما تكون إذا كانت مما تتصف به من الأحوال والأعراض والصفات والأكوان ، وهذا هو العالم الذي لا يتناهى ، وما له طرف ينته إليه ، ومن هذا البرزخ وجود الممكنات ، وبها يتعلق رؤية الحق للأشياء قبل كونها ، وكل إنسان ذي خيال وتخيل إذا تخيل أمرا ما ، فإن نظره يمتد إلى هذا البرزخ ، وهو لا يدري أنه ناظر ذلك الشيء في هذه الحضرة ، وهذه الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق تعالى ، هي للأعيان التي يتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظلالات للأجسام ، ولما كان الظل في حكم الزوال لا في حكم الثبات ، وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم سميت ظلالات ، ليفصل بينها وبين من له الثبات المطلق في الوجود ـ وهو واجب الوجود ـ وبين ما له الثبات المطلق في العدم ـ وهو المحال ـ لتتميز المراتب ، فالأعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي ، فإنه ما ثمّ حضرة تخرج إليها ففيها تكتسب حالة الوجود ، والوجود فيها متناه ما حصل منه ، والإيجاد فيها لا يتناهى ، فما من صورة موجودة إلا والعين الثابتة عينها والوجود كالثوب عليها ، والعجب من الأشاعرة كيف تنكر على من يقول : إن المعدوم شيء في حال عدمه وله عين ثابتة يطرأ على تلك العين الوجود ، وهي تثبت الأحوال ، اللهم منكر الأحوال لا يتمكن له هذا ، ثم إن هذا البرزخ الذي هو الممكن بين الوجود والعدم ، سبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته ، فالممكن ما هو ـ من حيث ثبوته ـ عين الحق ولا غيره ، ولا هو من حيث عدمه عين المحال ولا غيره ، فكأنه أمر إضافي ، ولهذا نزعت طائفة إلى نفي الممكن وقالت : ما ثمّ إلا واجب أو محال ولم يتعقل لها الإمكان ، فالممكنات على ما قررناه أعيان ثابتة من تجلي الحق ، معدومة من تجلي العدم ، ومن هذه الحضرة علم الحق نفسه فعلم العالم ، وعلمه له بنفسه أزلا ، فإن التجلي أزلا ، وتعلق علمه بالعالم أزلا على ما يكون العالم عليه أبدا مما ليس حاله الوجود ، لا يزيد الحق به علما ولا يستفيد رؤية ، تعالى الله عن الزيادة في نفسه والاستفادة ، وقوله تعالى (إِذا أَرَدْناهُ) هنا الإرادة تعلق المشيئة بالمراد ، قال عليهالسلام : [ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن] فالممكن ما خرج عن حضرة الإمكان لا في حال وجوده ولا في حال عدمه ، والتجلي له