مستصحب والأحوال عليه تتحول وتطرأ ، فهو بين حال عدمي وحال وجودي ، والعين هي تلك العين فما في الوجود إلا الله تعالى وأسماؤه وأفعاله ، فهو الأول من الاسم الظاهر ، وهو الآخر من الاسم الباطن ، فالوجود كله حق فما فيه شيء من الباطل ، إذ كان المفهوم من إطلاق لفظ الباطل عدما فيما ادعى صاحبه أنه موجود ، ولو لم يكن الأمر كذلك لانفرد الخلق بالفعل ولم يكن الإقتدار الإلهي يعمّ جميع الكائنات ، بل كانت الإمكانات تزول عنه ، فسبحان الظاهر الذي لا يخفى ، وسبحان الخفي الذي لا يظهر ، حجب الخلق به عن معرفته وأعماهم بشدة ظهوره ، فهم منكرون مقرون ، مترددون حائرون ، مصيبون مخطئون ، ومن أراد أن يعرف حقيقة ما أومأت إليه في هذه المسألة فلينظر خيال الستارة وصوره ، ومن الناطق من تلك الصور عند الصبيان الصغار ، الذين بعدوا عن حجاب الستارة المضروبة بينهم وبين اللاعب بتلك الأشخاص والناطق فيها ، فالأمر كذلك في صور العالم ، والناس أكثرهم أولئك الصغار الذين فرضناهم ، فالصغار في المجلس يفرحون ويطربون ، والغافلون يتخذونه لهوا ولعبا ، والعلماء يعتبرون ويعلمون أن الله ما نصب هذا إلا مثلا لعباده ليعتبروا ، وليعلموا أن أمر العالم مع الله مثل هذه الصور مع محركها ، وأن هذه الستارة حجاب سر القدر المحكّم في الخلائق ، ولما كان تقدم العدم للممكنات نعتا نفسيا ، لأن الممكن يستحيل عليه الوجود أزلا ، فلم يبق إلا أن يكون أزلي العدم ، فتقدم العدم له نعت نفسي ، والممكنات متميزة الحقائق والصور في ذاتها ، لأن الحقائق تعطي ذلك ، فلما أراد الله أن يلبسها حالة الوجود خاطبها من حيث حقائقها ، فقال : (إِنَّما قَوْلُنا) من كونه تعالى متكلما (لِشَيْءٍ) وهو المخاطب من الممكنات في شيئية ثبوتها ، فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئة المنفية بقوله ولم يكن شيئا ، فهي الشيئية المتوجه عليها أمره بالتكوين إلى شيئية أخرى ، فإن الممكنات في حال عدمها بين يدي الحق ينظر إليها ويميز بعضها عن بعض بما هي عليه من الحقائق في شيئية ثبوتها ، ينظر إليها بعين أسمائه الحسنى ، وترتيب إيجاد الممكنات يقتضي بتقدم بعضها على بعض ، وهذا ما لا يقدر على إنكاره ، فإنه الواقع ، فالدخول في شيئية الوجود إنما وقع مرتبا بخلاف ما هي عليه في شيئية الثبوت ، فإنها كلها غير مرتبة ، لأن ثبوتها منعوت بالأزل لها ، والأزل لا ترتيب فيه ولا تقدم ولا تأخر ، فتوقف حكم الإرادة على حكم العلم ، ولهذا قال تعالى : (إِذا أَرَدْناهُ) فجاء بظرف الزمان المستقبل في تعليق