يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٧٧)
(وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) ما سميت الساعة ساعة إلا لأنها تسعى إلينا بقطع هذه الأزمان لا بقطع المسافات وبقطع الأنفاس ، فمن مات وصلت إليه ساعته ، وقامت قيامته إلى يوم الساعة الكبرى ، التي هي لساعات الأنفاس كالسنة لمجموع الأيام التي تعينها الفصول باختلاف أيامها ، فأمر الساعة وشأنها في العالم أقرب من لمح البصر ، فإن عين وصولها عين حكمها ، وعين حكمها عين نفوذ الحكم في المحكوم عليهم ، وعين نفاذه عين تمامه ، وعين تمامه عين عمارة الدارين ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ، ولا يعرف هذا القرب إلا من عرف قدرة الله في وجود الخيال في العالم الطبيعي ، وما يجده العالم به من الأمور الواسعة في النفس الفرد والطرفة ، ثم يرى أثر ذلك في الحس بعين الخيال ، فيعرف هذا القرب وتضاعف السنين في الزمن القليل من زمان الحياة الدنيا ، فشبّه تعالى الإمضاء بلمح البصر أو هو أقرب ، وكذلك هو أقرب ، فإن أمره تعالى في الموقف يوم القيامة وهو المقدار الزماني ، خمسون ألف سنة من أيام الدنيا ، وعدها اليوم الشمسي ، وهو يوم ذي المعارج ، فإن أمر الله فيه مثل لمح البصر ، للإفهام والتوصيل ، وربما هو في القلة أقل من هذا المقدار ، بل مقدارها الزمان الفرد المتوهم الذي هو يوم الشأن ، فكما صارت الخمسون ألف سنة كيوم واحد ، وفي يوم واحد ، كذلك صار أمره كلمح بالبصر ، وسبب ذلك أن الذي يصدر منه الأمر لا يتقيد ، فهو في كل مأمور بحيث أمر ، فينفذ الأمر بحكمه دفعة واحدة ، ولمح البصر كالبرق ، يضرب فيظهر ، ويظهر ويزول ، فلو بقي أهلك.