الكشف فوق منزلته ، ونطلب منه ما لا يستحقه حاله ، فنتعبه ولا نعذره ونصفه بالجهل في ذلك ولا علم لنا بأنا جهلنا ، فتكون جهالتان ـ الوجه الثاني ـ لما يعلم الرسل عليهمالسلام بقرينة الحال أن السؤال سؤال استفهام عن إجابتهم بالقلوب فيقولون (لا عِلْمَ لَنا) أي لم نطلع على القلوب (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) تأكيد وتأييد بأن الحكم في الآخرة للعلم لا للقول ، وعلمنا نحن من هذه الآية من قول الرسل عليهم الصلاة والسلام أن العلم بالإجابة من علوم الغيوب ، فلا يعلم من أجاب إلا من هويته غيب ، وليس إلا الله. ـ الوجه الثالث ـ من هنا علمنا أن الرسل لما وجهوا دعوا إلى الله تعالى أممهم ظاهرا وباطنا بدعوة واحدة ، فلو كلفوا الظواهر لم يكن قولهم (لا عِلْمَ لَنا) جوابا ، ومن هنا لم يصح جميع فروع أحكام الشريعة من المنافق ، لأنه ما أجاب بباطنه لدعوته ، مثل ما أجاب بظاهره ، وصحت فروع أحكام الشريعة من العاصي المؤمن بباطنه ، فعلمنا أن المقصود للشرع الباطن ، ولكن بشرط مخصوص ، وهو أن يعم الإيمان جميع فروع الأحكام وأصولها ـ الوجه الرابع ـ أن الرسل ما تسأل يوم القيامة إلا لأجل إنكار الأمم التبليغ الذين لم يجيبوا في الدنيا إذا رأوا العذاب نازلا بهم ، أو اعترافهم بالإجابة ولم تقع منهم ، لذلك قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) وقد أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه غير داخل في هذا الجمع بقوله تعالى : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي ما عليك سؤال ، هل أجابوك أم لا؟ فيكون مزيد درجة راحة للنبي عليهالسلام يوم القيامة على سائر الرسل. ـ تحقيق ـ صدق الرسل عليهمالسلام حيث قالوا : (لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) فإنه كذا هو الأمر فلا علم لأحد إلا أن يعلمه الله ، وما عدا الطريقة الإلهية في التعليم وهي قوله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) فإنما هو غلبة ظن ، أو مصادفة علم ، أو جزم على وهم ، وأما علم فلا ، فإن جميع الطرق الموصلة إلى العلم فيها شبه ، لا تثق النفس الطاهرة التي أوقفها الله على هذه الشبه أن تقطع بحصول علم منها إلا بالطريقة الإلهية المذكورة.
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ