وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (١١٠)
(وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) فخلق عيسى عليهالسلام للطير كان بإذن الله ، فكان خلقه له عبادة يتقرب بها إلى الله ، لأنه مأذون في ذلك ، فلا يكون من المصورين الذين يعذبون يوم القيامة بأن يقال لهم : أحيوا ما خلقتم ولا قدرة لهم على ذلك. فما أضاف خلق عيسى عليهالسلام للطائر إلا لإذن الله ، والمأمور عبد ، والعبد لا يكون إلها ، ولما كان يستحيل أن يكون للأسباب أثر في المسببات ، فإن ذلك لسان الظاهر كما قال في عيسى عليهالسلام : (فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) لا بنفخك ، والنفخ سبب التكوين الظاهر ، وليس في الحقيقة إلا عن الإذن الإلهي ، وهذا وجه لا يطلع عليه من العبيد نبي مرسل ولا ملك مقرب. وقوله تعالى : (بِإِذْنِي) متعلق بقوله : (فَتَنْفُخُ) فكان عيسى عليهالسلام ينفخ في الطائر الذي خلقه روحا فيكون طائرا بالصورة والمعنى وقيل ليس إلا صورة طائر لا طائر ، ولذلك قال عزوجل : (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) وما قال طيرا حتى حصل فيه الروح ، وأضاف الحق النفخ إلى عيسى عليهالسلام فيما خلقه من الطين ولم يضف نفخا في إعطاء الحياة لغير عيسى بل لنفسه تعالى ، إما بالنون أو بالتاء التي هي ضمير المتكلم عن نفسه ، فالنفخ من عيسى لوجود الروح الحيواني ، إذ كان النفخ أعني الهواء الخارج من عيسى هو عين الروح الحيواني ، فدخل في جسم هذا الطائر وسرى فيه ، إذ كان هذا الطائر على استعداد يقبل الحياة بذلك النفس ، كما قبل العجل الحياة مما رمى فيه السامري ، فطار الطائر بإذن الله ، كما خار عجل السامري بإذن الله ، فكل من أنشأ صورة بغير روح فذلك هو المصور الذي يعذب بما صوره يوم القيامة ، بأن يقال له هنالك : أحي ما خلقت ، وليس بمحيي ، ويقال له : انفخ فيها روحا ، وليس بنافخ. هذا من حكم الموطن لأن ذلك