عن ربه : [لا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به] ـ الحديث ـ (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) وعسى من الله واجبة ، والمقام المحمود هو الذي له عواقب الثناء والمقامات كلها ، أي إليه يرجع كل ثناء ، وإليه تنظر جميع الأسماء الإلهية المختصة بالمقامات ، وهو لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويظهر ذلك لعموم الخلق يوم القيامة ، وبهذا صحت له السيادة على جميع الخلق يوم العرض ، فلا يجمع المحامد يوم القيامة كلها إلا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو الذي عبر عنه بالمقام المحمود ، فإنه لما كان إليه ترجع المقامات كلها ـ وهو الجامع لها ـ لم يصح أن يكون صاحبه إلا من أوتي جوامع الكلم ، لأن المحامد من صفة الكلام ، فإنه موقف خاص بمحمد صلىاللهعليهوسلم يحمد الله فيها بمحامد لا يعرفها إلا إذا دخل ذلك المقام ، فمحمد صلىاللهعليهوسلم بيده لواء الحمد ، ولآدم عليهالسلام علم الأسماء ، ولمحمد صلىاللهعليهوسلم علم الثناء بالمقام المحمود ، فأعطي في القيامة لأجل المقام المحمود العمل بالعلم ، ولم يعط لغيره في ذلك الموطن ، فصحت له السيادة ، فقال : [آدم فمن دونه تحت لوائي] وما له لواء إلا الحمد ، وهو رجوع عواقب الثناء إلى الله ، وهو قوله الحمد لله لا لغيره ، وهذا يدلك أن علوم الأنبياء أذواق لا عن فكر ونظر ، فإن الموطن يقتضي هنالك بآثاره أسماء إلهية يحمد الله بها ، ما يقتضيه موطن الدنيا ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم في هذا المقام [فأحمده بمحامد لا أعلمها الآن] وهذا المقام المحمود هو المقام المثنى عليه ، الذي أثنى الحق عليه ، الذي يقيم الحق فيه سبحانه محمدا صلىاللهعليهوسلم ، هو الوسيلة ، لأن منه يتوسل إلى الله فيما توجه فيه من فتح باب الشفاعة ، وهو شفاعته للجميع ، فهو مقام شفاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الشافعين أن يشفعوا يوم القيامة ، فمن المقام المحمود يفتح باب الشفاعة للملائكة فمن دونهم ، وله الأولية في الشفاعة ، وأول شفاعة يشفعها عند الله تعالى في حق من له أهلية الشفاعة من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن وحيوان ونبات وجماد ، فيشفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ربه لهؤلاء أن يشفعوا ، وأن يخرج الحق من النار أو يدخل الجنة من لم يعمل خيرا قط ، حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أهلها ، فيجيبه الله لما سأل فيه ، فكان محمودا بكل لسان وبكل كلام ، فله أول الشفاعة ووسطها وآخرها ، فإنه إذا قام الناس ، ومدّت الأرض ، وانشقت السماء وانكدرت النجوم ، وكورت الشمس وخسف القمر ، وحشرت الوحوش وسجرت البحار ، وزوجت النفوس