اعترف بالحشر ، وذلك أنهم كانوا يقولون : الملائكة وجدوا من الله فهم أولاده بمعنى الإيجاد ، ثم رأوا في الملائكة تاء التأنيث ، وصحّ عندهم أن يقال : سجدت الملائكة ، فقالوا : بنات الله فسمّوهم تسمية الإناث.
فإن قيل : كيف يصح أن يقال : إنهم لا يؤمنون بالآخرة مع أنهم كانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله وكان من عادتهم أن يربطوا مركوبا على قبر من يموت ، ويعتقدون أنه يحشر عليه؟
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنهم ما كانوا يجزمون به ، بل كانوا يقولون : إنه لا حشر ، فإن كان فلنا شفعاء
بدليل ما حكى الله عنهم (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠].
الثاني : أنهم ما كانوا يعترفون بالآخرة على الوجه الذي ورد به الرسل.
فصل
وأما مناسبة هذه الآية لما قبلها فهي أنهم لما قيل لهم : إنّ الصّنم جماد لا يشفع ، وبين لهم أن أعظم أجناس الخلق لا شفاعة لهم إلا بالإذن قالوا : نحن لا نعبد الأصنام لأنها جمادات وإنما نعبد الملائكة بعبادتها فإنها على صورها ونضعها (١) بين أيدينا لنذكر بالشاهد الغائب فنعظم الملك المقرب فرد الله عليهم بهذه الآية أي كيف تعظموهم وأنتم تسموهم تسمية الإناث؟ (٢)
فإن قيل : كيف قال تسمية الأنثى ولم يقل : تسمية الإناث؟
فالجواب : أن المراد بيان الجنس وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لمؤاخاة رؤوس الآي. أو يقال: إنه لو قال الإناث لأوهم أعلام الإناث ، كعائشة وفاطمة. والمراد إنما هو البنات (٣). وقد تقدمت شبهتهم.
قوله : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) قال الزمخشري : الضمير في (به) يعود إلى ما كانوا يقولون (٤). وقيل يعود إلى ما تقدّم من عدم قبول الشفاعة.
وقيل : يعود إلى الله أي ما لهم بالله من علم فيشركون (٥). وقال مكي : الهاء تعود على الاسم لأن التسمية والاسم بمعنى (٦). وقرأ أبيّ : بها (٧) أي بالآخرة أي ما لهم بالآخرة من علم.
__________________
(١) في الرازي : وتنصبها.
(٢) وانظر الرازي ٢٨ / ٣٠٨ بالمعنى.
(٣) المرجع السابق.
(٤) الكشاف ٤ / ٣٢.
(٥) الرازي ٢٨ / ٣١٠.
(٦) قال في المشكل : «الهاء تعود على الأسماء ؛ لأن التسمية والأسماء بمعنى واحد». وانظر المشكل ٢ / ٣٣١.
(٧) شاذة غير متواترة انظر الرازي السابق والكشاف ٤ / ٣٢.