قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ).
وقوله تعالى : (فَإِطْعامُ) كقوله في الأوجه الثلاثة المتقدمة من قبل ، متعلق بالفعل أو الاستقرار المتقدم ، أي : فيلزم تحرير ، أو صيام ، أو فعليه كذا من قبل تماسهما.
والضمير في «يتماسّا» للمظاهر والمظاهر منها لدلالة ما تقدم عليها (١).
فصل إذا لم يجد الرقبة (٢)
من لم يجد الرقبة ولا ثمنها ، وكان مالكا لها إلّا أنه شديد الحاجة إليها لخدمته ، أو كان مالكا لثمنها إلّا أنه يحتاج إليه لنفقته ، أو كان له مسكن ليس له غيره ، ولا يجد شيئا سواه فله أن يصوم.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يصوم وعليه العتق ، ولو كان محتاجا إلى ذلك.
والصيام الواجب في هذه الكفّارة أن يصوم شهرين متتابعين ، فإن أفطر في أثنائها بغير عذر استأنفهما وإن أفطر بعذر من سفر أو مرض ، فقال ابن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي : يبني على ما مضى ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
فإن ابتدأ الصيام ، ثم وجد الرقبة لم يلزمه الانتقال عنه ؛ لأنه أمر به حين دخل فيه.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يعتق قياسا على الصغيرة المعتدة بالشهور إذا رأت الدّم قبل انقضاء عدّتها ، فإنها تستأنف الحيض إجماعا ، فإن وطىء المظاهر في خلال الشهرين نهارا بطل التتابع ، وإن وطىء ليلا لم يبطل ؛ لأنه ليس محلّا للصّوم.
وقال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ ومالك : يبطل بكل حال ، ويجب عليه ابتداء الكفّارة لقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) وهذا شرط عائد إلى جملة الشهرين.
ومن طال مرضه طولا لا يرجى برؤه (٣) ، وكان بمنزلة العاجز من كبر ، فيجوز له العدول عن الصيام إلى الإطعام.
فإن كان يرجى برؤه ، واشتدت حاجته إلى وطء امرأته فالاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ، فإذا كفّر بالإطعام ، ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه.
فإن ظاهر وهو موسر ، ثم أعسر قبل أن يكفر صام ، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر ، ولو جامعها في عدمه وعسره ، فلم يكفر حتى أيسر لزمه العتق.
ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر ، قال القرطبي رحمهالله (٤) : فإن كان مضى من صومه صدر صالح كالجمعة وشبهها تمادى ، وإن كان يوما أو يومين ترك الصوم ، وعاد إلى
__________________
(١) الدر المصون ٦ / ٢٨٧.
(٢) ينظر القرطبي ١٧ / ١٨٤.
(٣) القرطبي ١٧ / ١٨٤ ، ١٨٥.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٨٥.