فصل
وحذفت ياء الإضافة من «نذر» كما حذفت ياء «يسر» في قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : ٤] ؛ وذلك عند الوقف ، ومثله كثير ، كقوله : (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) [العنكبوت : ٥٦] (وَلا يُنْقِذُونِ) [يس : ٢٣] (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر : ١٦] (وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥٢] وقرىء بإثبات الياء في : (عَذابِي) ونذري» (١).
قوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) هيأناه «للذّكر» من قولهم : «يسّر فرسه» أي هيّأه للركوب بإلجامه ، قال :
٤٥٩٨ ـ فقمت إليه باللّجام ميسّرا |
|
هنالك يجزيني الّذي كنت أصنع (٢) |
وقيل : سهلنا القرآن ليتذكر ويعتبر به. وقال سعيد بن جبير : يسرناه للحفظ والقراءة ، وليس شيء من كتب الله يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن.
وقوله : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متّعظ بمواعظه.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(٢٢)
ذكر ههنا : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) مرتين ، فالأول سؤال ، كقول المعلم للمتعلم: كيف المسألة الفلانيّة؟ ثم بين فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا) ، والثاني بمعنى التعظيم والتهويل.
فإن قيل : قال في قوم نوح : كذّبت قوم نوح ولم يقل في عاد : كذّبت قوم هود ؛ لأن التعريف كلما أمكن أن يؤتى به على وجه أبلغ فالأولى أن يؤتى به والتعريف بالاسم العلم أقوى من التعريف بالإضافة ؛ لأنك إذا قلت : «بيت الله» لا يفيد ما يفيد قولك : الكعبة ، وكذلك إذا قلت : رسول الله وقلت : محمد «فعاد» اسم علم للقوم.
ولا يقال : قوم هود أعرف لوجهين :
أحدهما : أن الله تعالى وصف عادا بقوم هود في قوله : (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود : ٠٦] ولا يوصف الأظهر بالأخفى ، والأخصّ بالأعمّ.
ثانيهما : أن قوم هو (واحد (٣) وعاد قيل :) إنه لفظ يقع على أقوام ، ولهذا قال
__________________
(١) ولم أعرف من قرأ بها ولا مرجعا أتى بها. وهي بلا شكّ شاذة.
(٢) من الطويل مجهول قائله واستشهد به على أن التيسير بمعنى التّهيىء كما أوضح أعلى. وانظر الكشاف ٤ / ٣٨ وشرح شواهده ٤٥٤ والبحر ٨ / ١٧٨ والقرطبي ١٧ / ١٣٤.
(٣) ما بين القوسين تكملة من الرازي مرجع المؤلف والمعتمد عليه دوما. ومن عجب أن يقول الناسخ في النسختين : بياض في الأصل.