اللّباب في علوم الكتاب [ ج ١٨ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

يخفى توجيه ذلك بما تقدم في هود ودخلت الفاء ههنا إشارة إلى أنهم لم يخلوا بأدب الدخول ، بل جعلوا السلام عقيب الدخول.

قوله : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) خبر مبتدأ مضمر ، فقدّروه أنتم قوم ، ولم يستحسنه بعضهم (١) ؛ لأن فيه عدم أنس فمثله لا يقع من إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فالأولى أن يقدر هؤلاء قوم ، أو هم قوم (٢) ، وتكون مقالته هذه مع أهل بيته وخاصته ، لا لنفس الملائكة لأن ذلك يوحشهم (٣).

وقال المفسرون : قوم منكرون أي غرباء ولا نعرفكم.

قال ابن عباس ـ (رضي الله (٤) عنهما ـ) قال في نفسه : هؤلاء قوم لا نعرفهم. وقيل : إنما أنكر أمرهم ، لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية : أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض (٥).

فإن قيل : قال في سورة هود : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ) فدل على أن إنكاره حصل بعد تقريب العجل إليهم وههنا قال : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، ثم قال : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) بفاء التعقيب ، وذلك يدل على أن تقريب الطعام منهم بعد حصول إنكاره فما وجهه؟

فالجواب : أن يقال : لعلهم كانوا مخالفين لصفة الناس في الشكل والهيئة ، ولذلك قال : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) ، (أي) عند كل أحد (منا) ، ثم لمّا امتنعوا عن الطعام تأكد الإنكار ، لأن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ تفرّد بمشاهدة إمساكهم فنكرهم فوق الإنكار الأول (٦).

وحكاية الحال في سورة «هود» أبسط مما ذكره ههنا ، فإن ههنا لم يبين المبشّر به ، وهناك ذكره باسمه وهو إسحاق وههنا لم يقل إن القوم قوم من ، وهناك قال : قوم لوط (٧).

فصل

ذكر ههنا من آداب الضيافة تسليم المضيف على الضّيف ، ولقاءه بالوجه الحسن ، والمبالغة في الإكرام بقوله : (سَلامٌ) ، وهو آكد ، وسلامهم بالمصدر ، وفي قوله : سلام بالرفع زيادة على ذلك ولم يقل سلام عليكم ؛ لأن الامتناع من الطعام يدل على أن العداوة لا تليق بالأنبياء فقال : سلام أي أمري مسالمة ، ثم فيها من أدب الضيف تعجيل

__________________

(١) لعله أبو حيان فتلك العبارات عباراته في البحر ٨ / ١٣٩.

(٢) المرجع السابق.

(٣) المرجع السابق بالمعنى.

(٤) زيادة من أ.

(٥) البغوي ٦ / ٢٤٤ و ٢٤٥.

(٦ و ٧) المرجع السابق.