فصل
قال القرطبي (١) : دلت هذه الآية على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول وإبقاء العقار والأرض بين المسلمين أجمعين كما فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا فيمضي عمله فيه لاختلاف الناس فيه ، وإن هذه الآية قاضية بذلك ، لأن الله ـ تعالى ـ أخبر عن الفيء وجعله لثلاث طوائف : المهاجرين والأنصار ـ وهم معلومون ـ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) فهي عامة في جميع التابعين والآتين من بعدهم إلى يوم [الدين](٢).
يروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج إلى المقبرة ، فقال : «السّلام [عليكم] دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون وددت لو رأيت إخواننا» قالوا : يا رسول الله ، ألسنا إخوانك؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض»(٣).
فبين النبي صلىاللهعليهوسلم أن إخوانهم كلّ من يأتي بعدهم ، لا كما قال السّديّ والكلبي : إنهم الذين هاجروا بعد ذلك.
وعن الحسن أيضا : أن الذين جاءوا من بعدهم من قصد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم إلى «المدينة» بعد انقطاع الهجرة.
قوله : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ).
قيل (٤) : أمروا أن يستغفروا لمن سبق هذه الأمة من مؤمني أهل الكتاب ، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أمرهم أن يستغفروا لهم فسبّوهم.
وقيل : أمروا أن يستغفروا للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : أمر الله سبحانه بالاستغفار لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم وهو يعلم أنهم سيفتنون (٥).
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : أمرهم بالاستغفار لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فسبوهم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا تذهب هذه الأمة حتّى يلعن آخرها أوّلها» (٦).
__________________
(١) السابق نفسه.
(٢) في أ : القيامة.
(٣) أخرجه مسلم ١ / ٢١٨ ، كتاب الطهارة ، باب : استحباب إطالة الغرة والتحجيل (٣٩ / ٢٤٩).
(٤) ينظر : القرطبي (١٨ / ٢٢).
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٢٢).
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٩٣) ، عن عائشة وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في «المصاحف» وابن مردويه عن عائشة.