شقينا إذا ، فو الله لننصرنّ يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة ، فنزلت الآية (١).
قوله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) أي : لهم عذاب مهين يوم يبعثهم الله ، فيحلفون له كما يحلفون لكم اليوم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : يحلفون لله ـ تعالى ـ يوم القيامة كذبا كما حلفوا لأوليائه في الدنيا ، وهو قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(٢) [الأنعام : ٢٣] ويحسبون أنهم على شيء ، بإنكارهم وحلفهم.
قال ابن زيد : ظنوا أنه ينفعهم في الآخرة (٣).
وقيل : يحسبون في الدنيا أنهم على شيء ؛ لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار ، والأول أظهر.
والمعنى (٤) : أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنّوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨].
قال القاضي والجبّائي (٥) : إن أهل الآخرة لا يكذبون ، فالمراد من الآية أنهم يحلفون في الآخرة : إنا ما كنا كافرين عند أنفسنا ، وعلى هذا الوجه لا يكون الحلف كذبا ، وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) أي : في الدنيا.
قال ابن الخطيب : «وتفسير هذه الآية على هذا الوجه يقتضي ركاكة عظيمة في النّظم».
روى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ينادي مناد يوم القيامة: أين خصماء الله تعالى؟ فتقوم القدريّة مسودّة وجوههم ، مزرقّة أعينهم ، مائل شدقهم يسيل لعابهم ، فيقولون : والله ما عبدنا من دونك شمسا ولا قمرا ولا صنما ، ولا اتّخذنا من دونك إلها» (٦).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : صدقوا ولله ، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ، ثم تلا : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) ، هم والله القدرية ثلاثا (٧).
قوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ). جاء به على الأصل ، وهو فصيح استعمالا ، وإن شذ قياسا(٨).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٩٧.
(٢) ذكره القرطبي (١٧ / ١٩٨).
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٣٩.
(٥) ينظر المصدر السابق.
(٦) ينظر القرطبي (١٧ / ١٩٨).
(٧) ينظر المصدر السابق.
(٨) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٠.