إلى قرينة عند الاستعمال فكما لا يحمل اللفظ على العين الناظرة إلا بقرينة كذلك لا يحمل على الفوّارة (١) إلا بقرينة ، مثل شربت من العين واغتسلت منها ونحوه.
فإن قيل : من أين علمت أن العين حقيقة في الناظرة؟.
قلنا : لأن الأفعال أخذت منه ، ولم تؤخذ من الينبوع ، فيقال : عانه يعينه إذا أصابه بالعين وعاينه معاينة وعيانا (٢).
قال عبيد بن عمير : أوحى الله تعالى إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون وأي عين تأخرت غضب عليها فجعل ماءها مرّا إلى يوم القيامة.
قوله : (فَالْتَقَى الْماءُ) لما كان المراد بالماء الجنس صحّ أن يقال : فالتقى الماء كأنه قال : فالتقى ماء السماء وماء الأرض. وهذه قراءة العامة. وقرأ الحسن والجحدريّ ومحمّد بن كعب وتروى عن أمير المؤمنين أيضا (٣) : «الماءان» تثنية والهمزة سالمة أي النوعان منه ماء السماء وماء الأرض ؛ لأن الالتقاء إنما يكون بين اثنين. وقرأ الحسن أيضا : «الماوان» بقلبها واوا ، وهي لغة طيّىء (٤). قال الزمخشري كقولهم : علباوان (٥) ، يعني أنه شبه الهمزة المنقلبة عن هاء بهمزة الإلحاق.
وروي عنه أيضا المايان (٦) بقلبها ياء ، وهي أشدّ مما قبلها (٧).
قوله : (قَدْ قُدِرَ) العامة على التخفيف. وقرأ ابن مقسم وأبو حيوة بالتشديد. وهما لغتان قرىء بهما في قوله : (قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى : ٣] (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [الفجر : ١٦] كما سيأتي.
فصل
قيل : معنى قد قدر أي حال قدرها الله كما شاء قضى عليهم في أمّ الكتاب. وقال مقاتل: قدّر الله أن يكون الماءان سواء ، فكانا على ما قدّره. وقيل : على مقادير ؛ وذلك لأن المفسّرين اختلفوا ، فمنهم من قال كان ماء السماء أكثر ، ومنهم من قال : ماء الأرض. ومنهم من قال : كانا متساويين ، فقال على مقدار كان وقال قتادة : قدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا.
__________________
(١) أي التي تفور.
(٢) بالمعنى من الرازي ١٥ / ٣٩.
(٣) لعله عليّ كرم الله وجهه. وانظر البحر ٨ / ١٧٧ ، والقرطبي ١٧ / ١٣٢ وابن خالويه ١٤٧ ، والكشاف ٤ / ٣٧ وهي قراءات شاذة غير متواترة.
(٤) الكشاف المرجع السابق.
(٥) الكشاف المرجع السّابق.
(٦) المراجع السابقة عدا القرطبي والكشاف.
(٧) فالمعروف أن الهمزة المنقلبة عن أصل في التثنية والجمع السالم تبقى أو تقلب واوا فقط كما يقال : بناءان وبناوان وعلباءان وعلباوان في همزة الإلحاق أيضا.