قال ابن عباس : من قبل أن نخلق المصيبة (١).
وقال سعيد بن جبير : من قبل أن نخلق الأرض والنفس (٢).
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي : خلق ذلك ، وحفظه على الله يسير أي : هيّن (٣).
قال الربيع بن صالح : لما أخذ سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ بكيت ، قال : ما يبكيك؟ قلت : أبكي لما أرى بك ولما تذهب إليه ، قال : فلا تبك ، فإنه كان في علم الله ـ تعالى ـ أن يكون ، ألم تسمع قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) الآية (٤).
قال ابن عباس : لما خلق الله القلم ، قال له : اكتب ، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة(٥).
وقد ترك جماعة من السلف الدواء في أمراضهم ، فلم يستعملوه ثقة بربهم وتوكلا عليه ، وقالوا : قد علم الله أيام المرض وأيام الصّحة ، فلم حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا ، قال الله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) الآية ، ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام : «من عرف يسر الله في القدر هانت عليه المصائب».
فصل في اتصال الآية بسياق الآيات قبلها (٦)
قيل : إن هذه الآية نزلت متّصلة بما قبلها ، وهو أن الله ـ تعالى ـ هوّن عليهم ما يصيبهم في الجهاد من قتل وجرح ، وبين أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على الأموال ، وما يقع فيها من خسران ، فالكل مكتوب مقدّر لا مدفع له ، وإنما على المرء امتثال الأمر ، ثم أدبهم فقال : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) أي : حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق ، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فرغ منه لم ييأسوا على ما فاتهم منه.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» ، ثمّ قرأ : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(٧) أي من الدنيا. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٩٩) والقرطبي (١٧ / ١٦٧.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٦٧) عن سعيد بن جبير.
(٣) ينظر : القرطبي (١٧ / ١٦٧.
(٤) ينظر : القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٦٧) عن سعيد بن جبير.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) ينظر : القرطبي (١٧ / ١٦٧.
(٧) أخرجه أحمد (٦ / ٤٤١) وابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ١١٠) رقم (٢٤٦) من حديث أبي الدرداء.
وأخرجه ابن أبي عاصم (١ / ١١٠) رقم (٢٤٧) من حديث أنس.
وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٦٢٩) عن أنس وعزاه إلى ابن أبي عاصم.