والمعنى : إنّا إذن لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته. وقال وهب : معناه : بعد عن الحقّ.
قوله : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) معناه أأنزل عليه الذكر ، وهو الوحي (١) «من بيننا» حال من هاء «عليه» ، أي ألقي عليه منفردا من بيننا أي خصص بالرسالة من بين آل ثمود وفيهم من هو أكثر مالا وأحسن حالا. وهو استفهام بمعنى الإنكار.
قوله : (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) الأشر البطر ، يقال : أشر يأشر أشرا فهو أشر كفرح ، وآشر كضارب وأشران كسكران ، وأشارى كأسارى.
وقرأ أبو قلابة : «بل هو الكذّاب الأشرّ» ، «من الكذّاب الأشرّ»؟ بفتح الشين وتشديد الراء ، جعلهما أفعل تفضيل. وهو شاذ ، لأنه (لم) (٢) يحذف الهمزة من لفظ الخير والشّر في «أفعل» التفضيل ، تقول : زيد خير من عمرو وشرّ من بكر (٣) ، ولا تقول : أخير ولا أشرّ إلّا في ندور كهذه القراءة (٤) وكقول رؤبة :
٤٦٠١ ـ بلال خير النّاس وابن الأخير (٥)
وتثبت فيهما في التعجب نحو : ما أخيره وما أشرّه. ولا يحذف إلى في ندور عكس أفعل التفضيل ، قالوا : ما خير اللّبن للصّحيح ، وما شرّه للمبطون. وهذا من محاسن الصّناعة. وقرأ أبو قيس الأوديّ ومجاهد الحرف الثاني الأشر بثلاث ضمات ، وتخريجها على أن فيه لغة أشر بضم الشين كحذر وحذر ، ثم ضمت الهمزة إتباعا لضمّ الشين. ونقل الكسائي عن مجاهد ضم الشين وفتح الهمزة على أصل تيك اللغة كحذر (٦).
__________________
(١) القرطبي ١٧ / ١٣٨ ، والبغوي والخازن ٦ / ٢٧٦.
(٢) زيادة لاستقامة المعنى والكلام.
(٣) وقولهم في المؤنث : الخورى والشّرّى.
(٤) وقد ذكر هذه القراءة وتعليقها أبو الفتح بن جني في المحتسب ٢ / ٢٩٩ وأبو حيان في البحر ٨ / ١٨٠ والزمخشري في الكشاف ٤ / ٣٩ ، بينما سكت عنها ابن خالويه في المختصر عند هذا الموضع.
(٥) رجز مشطور نسب لرؤبة ولم أجده بديوانه بلفظه هذا. وما في الديوان بتصحيح وليم بن الورد مجموع أشعار العرب رؤبة بن العجاج :
يا قاسم الخيرات وابن الأخير
وانظر الديوان هذا ص ٦٢ والقرطبي ١٧ / ١٣٩ وروح المعاني ٢٧ / ٨٩ والبحر ٨ / ١٨٠ والأشموني ٣ / ٤٣ والتصريح ٢ / ١٠١ والهمع ٢ / ١٦٦ ، والمحتسب ٢ / ٢٩٩. وشاهده : وقوع الأخير من أفعل تفضيل دون حذف الهمزة وذلك نادر وقليل من الشذوذ بمكان نستطيع أن نقول عنه : فصيح استعمالا شاذّ قياسا.
(٦) نقل القراءتين البحر المحيط ٨ / ١٨٠ بينما نقل القراءة الثانية ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٩٩.