للتجلي ، لم يثبت التجلي ما دام الجبل باقيا ، الذي هو الحجاب ، فلما تدكدك الجبل الذي هو الحجاب بقي التجلي بلا حجاب ، فرآه موسى فصعق كما صعق الجبل ، وقامت فيه علامة الرؤية التي قامت في الجبل ، وذلك قوله تعالى : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) فكان الدك للجبل كالصعق لموسى ، والذي دك الجبل أصعق موسى ، وما أصعقه إلا ما عنده ، أي ما شاهده ، فعلم عند ذلك ما لم يكن يعلم من صورة الحق مع العالم ، ولا أدري اندك الجبل عن رؤية أو عن مقدمة رؤية ، لا بل عن مقدمة رؤية ، وصعق موسى عن تلك المقدمة ، وكان موسى عليهالسلام ناظرا إلى الجبل طاعة لأمر الله ، فلاح له عند تدكدكه الأمر الذي جعل الجبل دكا ، فخر موسى صعقا ، وكان هذا من ضروب الوحي لموسى عليهالسلام ، فإنه ورد في الخبر : أن الله إذا تكلم بالوحي كأنه سلسلة على صفوان صعقت الملائكة ، ويحتمل أن يكون قوله تعالى : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) أي ميتا ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت] فلذلك لما سأله موسى الرؤية أجابه فخر صعقا ، فرآه تعالى في صعقته ، وقد شك رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمر موسى إذا وجده يوم البعث ، فلا يدري أجوزي بصعقة الطور فلم يصعق في نفخة الصعق؟ فإن نفخة الصعق ما تعم ، وقد صعق بالطور ، فما رآه تعالى حتى مات ، ثم أفاق فعلم من رأى. واعلم أن الحق إذا تجلى في صفة الجبروت لمن تجلى من عباده ، فإن كان المتجلّى له ليس له مدبر غير الله ، كجبل موسى ، تدكدك لتجليه ، فإنه ما فيه غير نفسه ، وإن كان له مدبر قد جعله الله له كتدبير النفوس الناطقة أبدانها ، لم تتدكدك أجسامها ، لكن أرواحها حكم فيها ذلك التجلي حكمه في الجبل ، فبعد أن كان قائما بتدبير الجسد ، زال عن قيامه ، فظهر حكم الصعق ، في جسد موسى ، وما هو إلا إزالة قيام المدبر خاصة ، كما زال الجبل عن وتديته ، فزال حكمه إذ زالت جبليته ، كما زال تدبير الروح لجسد صاحب الصعق ، إذ زال قيامه به ، لأن موسى ذو روح له حكم في مسك الصورة على ما هي عليه ، وما عدا الحيوان فروحه عين حياته ، لا أمر آخر ، فكان الصعق لموسى مثل الدك للجبل لاختلاف الاستعداد ، إذ ليس للجبل روح يمسك عليه صورته ، فزال عن الجبل اسم الجبل ، ولم يزل عن موسى بالصعق اسم موسى ولا اسم الإنسان ، فأفاق موسى ولم يرجع الجبل جبلا بعد دكه ، لأنه ليس له روح يقيمه ، فإن حكم الأرواح في الأشياء ما هو مثل حكم الحياة لها ، فالحياة دائمة في كل شيء ، والأرواح