في القلب (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) فلو كان صاحب الكتاب مؤمنا بكل كتابه ما ضل أبدا ـ إشارة ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) يمحو الأسباب من قلوب الموحدين ويثبت نفسه ، ويمحو الوحدانية من قلوب الناظرين ويثبت الأسباب (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) وهي السابقة التي لا تتبدل ولا تمحى ، فأم الكتاب هو الكتاب الذي فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون ، كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها وفيه قضاء الله وحكمه وهو كتاب محصور لأنه موجود وعلم الله في الأشياء لا يحصره كتاب مرقوم ولا يسعه رق منشور ولا لوح محفوظ ولا يسطره قلم عليّ ، ومن هذا الكتاب سمي الحق عليما وله القضاء الذي يحكم على القدر ـ الوجه الثاني ـ (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) اعلم أن تحقيق عندية كل شيء نفسه والعندية في اللسان ظرف مكان أو ظرف محلي كالجسم للعرض اللوني الذي يدركه البصر فهو أجلى فيما ترومه من الدلالة فهو بحيث محله وصاحب المكان ما هو بحيث المكان والعندية جامعة للأمرين (وَعِنْدَهُ) أي الحق فهو (أُمُّ الْكِتابِ) وهو القرآن فإنه صفة الحق فالقرآن أم الكتاب الذي عنه خرجت الكتب المنزلة واختلفت الألسنة به لقبولها إياه بحقيقته فقيل فيه : إنه عربي وإنه عبراني وإنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به والقرآن من جملة الكتب إلا أن له الجمعية دون سائر الكتب.
(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (٤٠)
فإنما عليك البلاغ وقد فعل صلىاللهعليهوسلم وأبان (وَعَلَيْنَا الْحِسابُ).
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤١)
(وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) فإنه المقيت فقد ترتبت الأمور ترتيب الحكمة فلا معقب لحكمه فهو في كل حال يفعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي فعل حكيم عالم بالمراتب.
(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ