أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض وأجيبوا بوجوه تقدمت منها : أن اللام قد تثبت لغير الغرض كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] وقوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] ومعناه المقارنة فمعناه : قرنت الخلق بالعبادة أي خلقتهم ، وفرضت عليهم العبادة.
ومنها : قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢] و [الرعد : ١٦].
ومنها : ما يدل على أن الإضلال بفعل الله كقوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النحل : ٩٣] وأمثاله.
ومنها : قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] وقوله : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) [إبراهيم : ٢٧] و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ).
وقوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) معناه : أن النفع يعود إليهم لا لي.
فإن قيل : ما الفائدة في تكرير الإرادتين (١) مع أن من لا يريد من أحد رزقا لا يريد أن يطعمه؟!.
فالجواب : أن السيّد قد يطلب من العبد المتكسّب (٢) له ، فيطلب منه الرزق ، وقد يكون للسّيد مال وافر يستغني به عن التكسب لكنه يطلب من العبد قضاء حوائجه وإحضار الطعام بين يديه ، فقال : لا أريد ذلك ولا هذا. وقد طلب الرزق على طلب الإطعام من باب الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى.
فإن قيل : ما فائدة تخصيص الإطعام بالذكر مع أن المراد عدم طلب فعل منهم غير التعظيم؟!.
فالجواب : أنه لما عمم النفي في الطلب الأول بقوله : (مِنْ رِزْقٍ) وذلك إشارة إلى التعميم بذكر الإطعام ونفي الأدنى يستتبعه نفي الأعلى بطريق الأولى ، فكأنه قال : ما أريد منهم من غنّى ولا عمل.
فإن قيل : المطالب لا تنحصر فيما ذكره فإن السيّد قد يشتري العبد لا لطلب عمل منه ، ولا لطلب رزق ولا للتعظيم ، بل يشتريه للتجارة!
فالجواب : أن عموم قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) يتناول ذلك.
قوله : (أَنْ يُطْعِمُونِ) قيل : فيه حذف مضاف أي يطعموا خلقي كما تقدم في التفسير. وقيل : المعنى أن ينفعون فعبر ببعض وجوه الانتفاعات لأن (٣) عادة السادة أن ينتفعوا بعبيدهم ، والله مستغن عن ذلك.
__________________
(١) في ب الإفادتين. وما في «أ» هو ما في الرازيّ.
(٢) في ب كذلك وفي الرازي : الكسب.
(٣) النون سقطت من نسخة ب سهوا.