قال ابن الخطيب : نقول : قد روي أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قرأ : إنّي أنا الرّزّاق. وأما على القراءة المشهورة فالمعنى : قل يا محمد إن الله هو الرزّاق ، أو يكون من باب الالتفات من التكلم إلى الغيبة ، أو يكون قل مضمرا عند قوله : (ما أُرِيدُ) أي قل يا محمد : ما أريد منهم من رزق فيكون بمعنى قوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [ص : ٨٦] ويكون على هذا قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) ، ولم يقل : القوي ، بل قال : ذو القوة ، لأن المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق ، وعدم الاستعانة بالغير لكن في عدم طلب الرزق لا يكفي كون المستغني بحيث يرزق واحدا ، فإن كثيرا من الناس يرزق ولده وعبده ويسترزق والملك يرزق الجند ، ويسترزق ، فإذا كثر منه الرزق قل منه الطلب لأن المسترزق منه يكثر الرزق ، لا يسترزق من رزقه فلم يكن ذلك المقصود يحصل إلا بالمبالغة في وصف الرازق (١) ، فقال : الرزّاق ، وأما ما يغني عن الاستعانة بالغير ، فهو دون ذلك لأن القوي إذا كان في غاية القوة يعين الغير ، فإذا كان دون ذلك لا يعين غيره ولا يستعين به استعانة قوية بل استعانة ما وتتفاوت بعد ذلك ، ولما قال : (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) كفاه بيان نفس القوة فقال : (ذُو الْقُوَّةِ) ، لأن قولنا : ذو القوة في إفادة معنى القوي دون إفادة القويّ ، لأن ذلك لا يقال في الوصف اللازم البين ، يقال في الآدمي: ذو مال ومتمول ، وذو جمال ، وجميل ، وذو خلق حسن إلى غير ذلك مما (لا) (٢) يلزم لزوما بينا. ولا يقال في الثلاثة : ذات فردية ، ولا في الأربعة : ذات زوجية ، وهذا لم يرد في الأوصاف الحقيقية فلم يسمع ذو الوجود ولا ذو الحياة ولا ذو العلم ، ويقال في الإنسان : ذو علم ، وذو حياة لأنها فيه عرض لا لازم بين.
وفي صفات الفعل يقال : الله تعالى ذو الفضل كثيرا (وذو الخلق (٣) قليلا) ؛ لأن «ذا كذا» بمعنى صاحب والصحبة لا يفهم منها اللزوم فضلا عن اللزوم البين. ويؤيد هذا قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] فجعل غيره ذا علم ووصف نفسه بالفعل فبين ذي العلم والعليم فرق وكذلك بين ذي القوة والقويّ ، ويؤيده أيضا قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌ) [غافر : ٢٢] وقوله : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُ) [الشورى : ١٩] وقال : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة : ٢١] لأن هذه الصور كان المراد بها بيان القيام بالأفعال العظيمة وههنا المراد عدم الاحتياج ومن لا يحتاج إلى الغير يكفيه من القوة قدر (ما) (٤). ومن يقوم مستبدا بالفعل لا بد له من قوة عظيمة ، لأن عدم الحاجة قد يكون بترك الفعل والاستغناء عنه.
__________________
(١) كذا في النسختين وفي الرازي : الرزق.
(٢) سقط من ب وفي الرازي مما لا يلزمه لزوما.
(٣) ما بين القوسين زيادة من الرازي لتوضيح السياق وتكميله.
(٤) لفظ ما سقط من ب وانظر الرازي ٣٨ / ٢٣٦.