الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) وقال ههنا : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) ، ولم يكن هناك ما تقع الإشارة إليه إلا مجيء المنذر ، ثم قالوا : (أَإِذا مِتْنا) ، وأيضا أن ههنا وجد بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب ، وهو قولهم : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) ؛ فإنه استبعاد وهو كالتعجب فلو كان التعجب أيضا عائدا إليه لكان كالتكرار.
فإن قيل : التكرار الصريح يلزم من قولك : (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) يعود إلى مجيء المنذر فإن تعجبهم منه علم من قوله : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) فقوله : (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) ليس تكرارا!.
نقول : ذلك ليس بتكرار ، بل هو تقرير ؛ لأنه لما قال : بل عجبوا بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجبا كقوله (تعالى (١)) : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ٧٣] ويقال في العرف : لا وجه لتعجّبك مما ليس بعجب ، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم : لا معنى لتعجّبكم ، فقالوا : هذا شيء عجيب فكيف لا نعجب منه؟! ويدل على ذلك قوله تعالى ههنا : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) بحرف الفاء وقال في «ص» : (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ) بحرف الواو فكان نعتا غير مرتب على ما تقدم ، وهذا شيء عجيب أمر مرتب على ما تقدم ، أي لما عجبوا أنكروا عليهم ذلك فقالوا : هذا شيء عجيب كيف لا نعجب منه؟ ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) بلفظ الإشارة إلى البعيد. وقوله : (هذا ساحِرٌ) إشارة إلى الحاضر القريب فينبغي أن يكون المشار إليه بذلك غير المشار إليه بهذا ، وهذا لا يصحّ إلا على قولنا (٢).
قوله : (أَإِذا مِتْنا) قرأ العامّة بالاستفهام ؛ وابن عامر ـ في رواية ـ وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزة واحدة (٣) فيحتمل الاستفهام كالجمهور. وإنما حذف الأداة للدلالة ، ويحتمل الإخبار بذلك (٤) ، والناصب للظرف في قراءة الجمهور مقدر أي أنبعث أو أنرجع إذا متنا(٥). وجواب (إِذا) على قراءة الخبر محذوف أي رجعنا. وقيل قوله : (ذلِكَ رَجْعٌ) على حذف الفاء ، وهذا رأي بعضهم (٦). والجمهور لا يجوز ذلك إلّا في شعر (٧) (وقال الزمخشري) (٨) : ويجوز أن يكون الرّجع بمعنى المرجوع وهو الجواب ،
__________________
(١) زيادة من (أ).
(٢) وانظر تفسير الرازي ٢٨ / ١٥٠ و ١٥١.
(٣) البحر المحيط ٨ / ١٢٠ والإتحاف ٣٩٨.
(٤) بالمعنى من البحر المرجع السابق. أقول : وحذف أداة الاستفهام جائز وهو شائع ، وعلى إرادة الخبر يكون المعنى : إذا متنا بعد أن نرجع والدال عليه : «ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ».
(٥) قاله مكي في المشكل ٢ / ٣١٨ وأبو البقاء العكبري في التبيان ١١٧٣.
(٦) نقل أبو حيان القولين فنسب الثاني لصاحب اللوامح وترك الأول دون نسبة وانظر البحر المحيط ٨ / ١٢٠.
(٧) للضرورة. انظر السابق.
(٨) ما بين القوسين سقوط من (أ) وزيادة من (ب).