وقال الراغب : الذنوب الدلو الذي له ذنب انتهى (١). فراعى الاشتقاق. والذنوب أيضا الفرس الطّويل الذّنب وهو صفة على فعول. والذّنوب لحم أسفل المتن (٢). ويقال : يوم ذنوب أي طويل الشّر (٣) استعارة من ذلك.
قوله : (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي بالعذاب. ووجه مناسبة الذنوب أن العذاب منصبّ عليهم كما يصبّ الذّنوب ، قال تعالى : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) [الحج : ١٩] وقال تعالى : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) [الدخان : ٤٨] والذّنوب كذلك فكأنه قال : نصبّ فوق رؤوسهم ذنوبا من العذاب كذنوب صبّ فوق رؤوس أولئك. ووجه آخر وهو أن العرب يستقون من الآبار على النّوبة ذنوبا فذنوبا وذلك وقت عيشهم الطيب ، فكأنه تعالى قال : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) من الدنيا وطيباتها «ذنوبا» إذا ملأوه ولا يكون لهم في الاخرة من نصيب كما كان عليه حال أصحابهم استقوا (٤) ذنوبا وتركوها ، وعلى هذا فالذنوب ليس بعذاب ولا هلاك وإنما هو رغد العيش.
قال ابن الخطيب : وهو أليق بالعربية (٥).
قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) يعني يوم القيامة. وقيل : يوم بدر (٦) ، وحذف العائد لاستكمال شروطه (٧) ، أي يوعدونه.
__________________
ـ هنا بمعنى الدلو العظيمة فالمعنى أنه يقسم الماء مرة له ومرة لهم فإن أبوا فالقليب أي البئر لهم وانظر : القرطبي ١٧ / ٥٧ ومعاني الفراء ٣ / ٩٠ والكشاف ٤ / ٢١ وشرح شواهده ٣٤ / ٤ والبحر ٨ / ١٣٢ ومجمع البيان ٩ / ٢٤٢ وقد ورد بشرح شواهد الكشاف :
إنا إذا شاربنا شريب |
|
له ذنوب ولنا ذنوب |
فإن أبي فله القليب |
والمعنى : إني أوثر شريبي بالحظ الأوفر ، والنصيب الأجزل ، فإن لم يرض أوثره بالجميع.
(١) قاله في المفردات ١٨١ (ذنب).
(٢) قاله الجوهريّ في الصحاح «ذنب».
(٣) نقله القرطبي في ١٧ / ٥٧ عن ابن الأعرابي. وانظر في هذا اللسان ذنب ١٥٢١.
(٤) في ب اسقوا.
(٥) انظر : تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٨ / ٢٣٨.
(٦) انظر : تفسير العلامة البغوي والخازن ٦ / ٢٤٨ وقال القرطبي في الجامع ١٧ / ٥٧ بالأخير.
(٧) عائد الصلة غير الألف واللام إن كان بعض معمول الصلة جاز حذفه مطلقا كحذف المعمول ، نحو : أين الرجل الذي قلت تريد قلت أنه أو نحوه ، وإن لم يكن فإما أن يكون منفصلا أو متصلا فإن كان منفصلا لم يجز حذفه نحو : جاء الذي إياه أكرمت ، أو ما أكرمت إلا إياه ، وإن كان متصلا فله أحوال :
أحدها : أن يكون منصوبا ، إما بفعل أو وصف أو بغيرهما ، فإن كان بهما جاز حذفه كما في الآية التي معنا وإن كان بغيرهما لم يجز نحو : جاء الذي إنه جائز ، وألحق به أبو حيان المنصوب بفعل ناقص. ـ