تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ) إشارة إلى النّعمة الرابعة ، وفيها ما يدل على كمال الحال من وجوه :
الأول : أنه هو المزوج وهو الولي الذي يلي الطرفين يزوج عباده بإمائه ومن يكون كذلك لا يفعل إلا ما فيه راحة العباد والإماء.
الثاني : قال : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ) ولم يقل : وزوّجناهم حورا مع أن لفظ التزويج يتعدى فعله إلى مفعولين بغير حرف ، تقول زوّجتكها ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) [الأحزاب : ٣٧] وذلك إشارة إلى أن المنفعة في التزويج لهم ، وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذّة الحور بهم.
الثالث : عدم الاقتصار على الزوجات بل وصفهن بالحسن واختار الأحسن من الأحسن ، فإنّ أحسن ما في صورة الآدميّ وجهه ، وأحسن ما في الوجه العين (١).
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ ، والخبر الجملة من قوله : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، والذّرّيّات هنا يصدق على الآباء ، وعلى الأبناء ، أي أن المؤمن إذا كان عمله أكثر ألحق به من دونه في العمل ابنا كان أو أبا. وهو منقول عن ابن عبّاس وغيره.
الثاني : أنه منصوب بفعل مقدر ، قال أبو البقاء على تقدير : وأكرمنا الّذين آمنوا (٢). قال شهاب الدين : فيجوز أن يريد أنه من باب الاشتغال ، وأن قوله : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) مفسر لذلك الفعل من حيث المعنى وأن يريد أنه مضمر لدلالة السّياق عليه ، فلا تكون المسألة من الاشتغال في شيء (٣).
الثالث : قال ابن الخطيب : إنه معطوف على : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ) ثم قال : فإذا كان كذلك فلم أعاد لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) وكان المقصود يحصل بقوله تعالى : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) بعد قوله (وَزَوَّجْناهُمْ) كان يصير التقدير : وزوّجناهم وألحقنا بهم؟ نقول : فيه فائدة وهي أن المتقين هم الذين اتقوا الشرك والمعصية وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فقال ههنا : الذين آمنوا بمجرد الإيمان يصير ولده من أهل الجنة ، ثم إن ارتكب الأب كبيرة أو صغيرة لا يعاقب به ولده بل الوالد ، وربما يدخل الجنة الابن قبل الأب ، وقد ورد في الخبر أن الولد الصغير يشفع لأبيه ، وذلك إشارة إلى الجزاء (٤).
__________________
(١) وانظر هذا في المرجع السابق ٢٨ / ٢٤٩.
(٢) قال بهذين الوجهين العكبري في التبيان ١١٨٤ وأبو حيان في البحر ٨ / ١٤٨ وقد اختار الأول أبو حيان.
(٣) الدر المصون مخطوط بمكتبة الاسكندرية لوحة رقم ١١٣.
(٤) قاله الإمام الفخر في مرجعه السابق ٢٨ / ٢٥١.