يوجب الإيمان (١) في الدنيا إلا إيمان الآباء. قال ابن الخطيب : وهذا وجه حسن (٢).
قوله : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) قال مقاتل : كل امرىء كافر بما عمل من الشرك فهو مرتهن في النار والمؤمن لا يكون مرتهنا لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) [المدثر : ٣٨ ـ ٣٩]. قال الواحدي : هذا يعود إلى ذكر أهل النار. وهو قول مجاهد أيضا (٣).
وقال الزمخشري : هذا عام في كل واحد أنه يكون مرهونا عند الله بالكسب فإن كسب خيرا فك رقبته وإلا أغلق (٤) الرهن.
قال ابن الخطيب : وفيه وجه آخر وهو أن يكون الرهين فعيلا بمعنى الفاعل فيكون المعنى : كل امرىء بما كسب راهن أي دائم إن أحسن ففي الجنة مؤبدا ، وإن أساء ففي النار مخلدا ؛ لأن في الدنيا دوام الأعمال بدوام الأعيان فإن العرض لا يبقى إلا في جوهر فلا يوجد إلا فيه ، وفي الآخرة دوام الأعيان بدوام الأعمال فإن الله يبقي أعمالهم لكونها عند الله تعالى من الباقيات الصالحات ، وما عند الله باق والباقي يبقى مع عمله (٥).
قوله تعالى : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) ، زيادة على ما كان لهم (وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من أنواع اللّحمان. والمعنى زدناهم مأكولا ومشروبا فالمأكول الفاكهة والّلحم ، والمشروب الكأس. وفي هذا لطيفة وهي أنه لما قال : ما ألتناهم ونفي النقصان يصدق بحصول المساوىء ، فقال : ليس عدم النقصان باقتصار على المساوىء ؛ بل بالزيادة والإمداد (٦).
قوله : (يَتَنازَعُونَ) في موضع نصب على الحال من مفعول : (أَمْدَدْناهُمْ)(٧) ويجوز أن يكون مستأنفا.
وتقدم الخلاف في قوله : (لا لَغْوٌ فِيها) في البقرة (٨). والجملة في موضع نصب صفة لكأس. وقوله : فيها أي في شرابها. وقيل : في الجنّة. ومعنى يتنازعون أي يتعاطون. ويحتمل أن يقال : التنازع التجاذب ويكون تجاذبهم تجاذب ملاعبة لا تجاذب منازعة. وفيه نوع لذّة ، قال الشاعر :
__________________
(١) كذا في (ب) أيضا وفي الرازي : الأمان.
(٢) وانظر تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٨ / ٢٥٢.
(٣) وانظر الرازي المرجع السابق.
(٤) في (ب) أعلق والصحيح «أوبق» كما في الرّازيّ والكشاف وكما يقتضيه المعنى. وعبارة الكشاف : «أي مرهون كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه ، فإن عمل صالحا فكّها وخلّصها وإلّا أوبقها». وانظر الكشاف ٤ / ٢٤.
(٥) في الرازي : مع عامله. وانظر الرازي ٢٨ / ٢٥٢ و ٢٥٣.
(٦) السابق أيضا.
(٧) وهو قول أبي البقاء في التّبيان ١١٨٤.
(٨) عند قوله : «لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ» من الآية ٢٢٥.