فالجواب : أنه طلب منهم الأهون على تقدير صدقهم ليكون امتناعه عليهم (١) أدلّ على بطلان قولهم ، وقال هناك : فليأتوا أي اجتمعوا عليه وتعاونوا وأتوا بمثله ، فإن ذلك عند الاجتماع أهون وأما الارتقاء في السلم بالاجتماع فمتعذّر ، لأنه يرتقي واحد بعد واحد فلا يحصل في الدرجة العليا إلا واحد فقال : فليأت ذلك الواحد بما سمعه. وفيه لطيفة وهي أنه لو طلب منهم ما سمعوه لكان لواحد أن يفتري ويقول : سمعت كذا فقال : لا بل الواجب أن يأتي بدليل يدلّ عليه (٢).
قوله : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) وهذا إنكار عليهم حين جعلوا لله ما يكرهون كقوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) [الصافات : ١٤٩].
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) جعلا على ما جئتهم به ودعوتهم إليه (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي أثقلهم ذلك المغرم الذي يسألهم ، فيمنعهم ذلك عن الإسلام.
فإن قيل : ما الفائدة في سؤال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٣) حيث قال : أم تسألهم ولم يقل : أم تسألون أجرا كما قال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ) (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) إلى غير ذلك؟
فالجواب : أنّ فيه فائدتين :
إحداهما (٤) : تسلية قلب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنهم لما امتنعوا عن الاستماع صعب على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال له ربه : أنت أتيت بما عليك فلا يضيق صدرك حيث لم يؤمنوا ، فأنت غير ملزم ، وإنما كنت تلام إن كنت طلبت منهم أجرا فهل طلبت ذلك فأثقلتهم فلا حرج عليك إذن.
الثانية : لو قال : أم تسألون ففي طلب الأجر مطلقا وليس كذلك لأنهم كانوا مشركين مطالبين بالأجر من رؤسائهم وأما النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٥) فقال : أنت لا تسألهم أجرا فهم لا يتّبعونك وغيرهم يسألهم وهم يسألون ويتّبعون السائلين هذا غاية الضّلال.
قوله : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أن ما يخبرهم من أمر القيامة والبعث باطل. قال قتادة : هذا جواب لقوله : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) يقول : أعندهم الغيب حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم فهم يكتبون.
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف لبعد ذكره ، أو لأن قوله تعالى : (قُلْ تَرَبَّصُوا) متصل به وذلك يمنع اتصال هذا بذاك (٦).
__________________
(١) كذا في النسختين وفي الرازي : اجتماعهم عليه.
(٢) وانظر الرازي المرجع السابق.
(٣) في ب ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
(٤) في النسختين أحدهما. وهو خطأ نحويّ.
(٥) في ب ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
(٦) وانظر في هذا كله تفسير الإمام ٢٨ / ٢٦٤.