فإن قيل : كيف قال ههنا بلفظ النظر وفي الأحقاف بلفظ الرؤية؟!.
فالجواب : أنهم ههنا لما استبعدوا أمر الرجع بقولهم : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) استبعد استبعادهم وقال : أفلم ينظروا ؛ لأن النظر دون الرؤية فقال النظر كاف (١) في حصول العلم بإمكان الرجع ، ولا حاجة إلى الرؤية ، ليقع الاستبعاد في مقابلة الاستبعاد (٢) وهناك لم يوجد منهم إنكار فأرشدهم إليه بالرؤية التي هي أتمّ من النظر (٣).
قوله : (إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ) فقوله : (فَوْقَهُمْ) حال من السماء وهي مؤكدة وكيف منصوبة بما بعدها وهي معلّقة للنظر قبلها.
فإن قيل : كيف قال : إلى السماء ولم يقل : في السّماء؟!.
فالجواب : لأنّ النظر في الشيء ينبىء عن التأمّل والمبالغة والنظر إلى الشيء لا ينبىء عنه ؛ لأن (إِلَى) غاية منتهى النظر عنده وفي الدخول في معنى الظرف فإذا انتهى النظر إليه ينبغي أن ينفذ فيه حتى يصح معنى النظر فيه (٤).
قوله : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي شقوق وفتوق وصدوع ، واحدها فرج.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها على وجه الماء (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) جبالا ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) حسن كريم يبهج به أي يستر (٥).
قوله : (تَبْصِرَةً) العامة على نصيبها على المفعول من أجله (٦) أي تبصير أمثالهم وتذكير أمثالهم. وقيل : منصوبان بفعل من لفظهما مقدر أي بصّرهم تبصرة وذكّرهم تذكرة (٧). وقيل : حالان أي مبصّرين مذكّرين ، وقيل : حال من المفعول أي ذات تبصير وتذكير لمن يراها (٨). وزيد بن علي بالرفع. وقرأ : وذكر أي هي : تبصرة وذكر (٩) و «لكلّ» إما صفة وإما متعلق بنفس المصدر. وقال البغوي : تبصّرا (١٠) وتذكيرا.
__________________
(١) في الرازي : فكأن النظر كان في حصول العلم.
(٢) كذا في النسختين وفي الرازي : الاستبعاد.
(٣) وانظر الرازي ٢٨ / ١٥٥.
(٤) كذا في النسختين وفي الرازي معنى الظرفية.
(٥) قال بهذه المعاني القرطبي في الجامع ١٧ / ٦.
(٦) نقله القرطبي في المرجع السابق عن أبي حاتم.
(٧) وهو قول أبي حيان في البحر ٨ / ١٢١.
(٨) وقد نقل هذه الأقوال في كتابه أبو البقاء ١١٧٣.
(٩) أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة فيكون لفظ تبصرة خبرا. وانظر البحر السابق وهي شاذة.
وانظر أيضا الكشاف ٤ / ٤.
(١٠) في معالم التنزيل له : تبصيرا مصدر بصر لا تبصّرا مصدر تبصّر. وانظر معالم التنزيل ٦ / ٢٣٤.