فالجواب : هو كقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] ولم يقل : ولم يدرك له بصر (١).
قوله : (وَما طَغى) فيه وجهان :
الأول : أنه عطف جملة (٢) مستقلة على جملة أخرى (٣).
والثاني : أنه عطف جملة مقدرة على جملة. فمثال المستقلة : خرج زيد ودخل عمرو. ومثال المقدرة خرج زيد ودخل. والوجهان جائزان هنا.
أما الأول : فكأنه تعالى قال عند ظهور النور : ما زاغ بصر محمّد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وما طغى محمّد بسبب الالتفات ولو التفت لكان طاغيا.
وأما الثاني : فظاهر. فإن قيل : بأن الغاشي للسّدرة جراد فالمعنى لم يلتفت إليه وما طغى أي لم يلتفت إلى غير الله ولم يلتفت إلى الجراد ولا إلى غير الجراد بل إلى الله تعالى.
وإن قيل : غشيها نور فقوله : (ما زاغَ) أي ما مال عن الأنوار (وَما طَغى) أي ما طلب شيئا وراءه. وفيه لطيفة وهي أن تكون ذانك (٤) بيانا لوصول محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى سدرة اليقين الذي لا يقين فوقه وذلك أن بصر محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما زاغ أي ما مال عن الطريق فلم ير الشيء على خلاف ما هو عليه بخلاف من ينظر إلى عين الشمس مثلا ثم ينظر إلى شيء أبيض فإنه يراه أصفر أو أخضر يزيغ بصره عن جادّة الإبصار ، وقوله : (وَما طَغى) أي ما تخيل المعدوم موجودا (٥). وقيل : (وَما طَغى) أي ما جاوز ما أمر به (٦).
قوله : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) في «الكبرى» وجهان :
أظهرهما : أنها مفعول (رَأى) و (مِنْ آياتِ رَبِّهِ) حال مقدرة ، والتقدير لقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه.
والثاني : أن (مِنْ آياتِ رَبِّهِ) هو مفعول الرؤية و «الكبرى» صفة «لآيات ربه»(٧).
وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة ، وحسّنه هنا كونها فاصلة (٨). وقد تقدم مثله في «طه» عند قوله (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) [طه : ٢٣].
__________________
(١) أي فعرف أن المراد به الجنس. وانظر تفسير الرازي ٢٨ / ٢٩٣ و ٢٩٤.
(٢) وهي «وَما طَغى».
(٣) وهي «ما زاغَ الْبَصَرُ».
(٤) في (ب) ذلك وكذا في الرازي.
(٥) وانظر هذه كله في تفسير العلامة الرازي ٢٨ / ٢٩٤.
(٦) نقله القرطبي دون نسبة لقائله وانظر الجامع له ١٧ / ٩٧.
(٧) أخذه الإمام أبو حيان نقلا عن الإمام الفخر في تفسيره كما سيجيء الآن ، وانظر البحر ٨ / ١٦٠.
(٨) أي كون الصفة «كبرى» فاصلة وآخر آية وتبتدىء بعدها آية أخرى.