وأكديت الرّجل عن الشيء رددته. وأكدى الرّجل إذا قلّ خيره ، فقوله : (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) أي قطع القليل.
و «أرأيت» بمعنى أخبرني. وقوله : «الّذي» يعود إلى الوليد (بن المغيرة) قال ابن الخطيب : والظاهر أنه يعود إلى المتولّي في قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى).
فإن قيل : كان ينبغي أن يقول : الذين تولوا لأن (من) للعموم؟.
فالجواب : إن العود إلى اللفظ كقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ) [الأنعام : ١٦٠] ولم يقل : فلهم (١).
قوله : (فَهُوَ يَرى) هذه الجملة مترتبة على ما قبلها ترتّبا ظاهرا. وقال أبو البقاء : (فَهُوَ يَرى) جملة اسمية واقعة موقع الفعلية ، والأصل : أعنده علم الغيب فيرى ، ولو جاء على ذلك لكان نصبا (٢)(٣) على جواب الاستفهام ، انتهى. وهذا لا حاجة إليه مع ظهور الترتيب بالجملة الاسمية. وقد تقدم له نظير هذا الكلام والردّ عليه.
ومعنى الآية أعند هذا المكدي علم الغيب ـ أي علم ما غاب عنه ـ من العذاب فهو يرى أي يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة وما يكون من أمره حتى يضمن حمل العذاب عن غيره وكفى بهذا جهلا بأنه يرى ما غاب عنه ويعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه.
قوله : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) أي لم يخبر (بِما فِي صُحُفِ مُوسى) يعني أسفار التوراة و «أم» منقطعة أي بل ألم ينبأ و «ما» في قوله «بما» يحتمل أن يكون المراد جنس ما قبلها أي لم ينبأ بالتوحيد والحشر وغيره. ويحتمل أن يكون عين ما في التوراة لا جنسه. وعلى هذا فالكلام مع أهل الكتاب (٤).
قوله : (وَإِبْراهِيمَ) عطف على (مُوسى) ، أي وصحف إبراهيم ، لقوله في سورة الأعلى : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٩].
وإنما خص هذين النبيين بالذكر ، لأنه كان بين إبراهيم وموسى يؤخذ الرجل بجريرة غيره فأول من خالفهم إبراهيم (٥) قاله الهذيل بن شرحبيل. والعامة على وفّى بالتشديد. وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وابن السّميقع : وفى مخففا (٦). وقد تقدم أن فيه ثلاث لغات (٧). وأطلق التوفية والوفاء ليتناولا كل ما وفى به والمعنى تمّ وأكمل ما أمر به.
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ / ١٢.
(٢) بأن مضمرة وجوبا.
(٣) التبيان ١١٨٩.
(٤) بالمعنى من الرازي ١٥ / ١٤.
(٥) حكاه القرطبي في الجامع ١٧ / ١١٣.
(٦) القرطبي ١٧ / ١١٣ السابق والإتحاف ٤٠٣.
(٧) وفى ووفّى وأوفى فمن قال : وفى فإنه يقول : تمّ كقولك : وفى لنا فلان ومن قال أوفى معناه أوفاني حقّي أي أتمه ولم ينقص منه شيئا ووفّى أبلغ من وفى ، فالذي اختبر به إبراهيم من أعظم المحن.
بتصرف من اللّسان وفى ٤٨٨٥.