فالجواب : أن المراد من الوازرة هي التي يتوقع منها الوزر والحمل لا التي وزرت وحملت (١).
ونقل القرطبي عن أبي مالك الغفاريّ قال : قوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) إلى قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) في صحف إبراهيم (٢) وموسى.
قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أن هي المخففة أيضا ولم يفصل هنا بينها وبين الفعل ، لأنه لا يتصرف. ومحلها الجر (٣) أو الرفع (٤) ، أو النصب (٥) لعطفها على (أن) قبلها ، وكذلك محل : (وَأَنَّ سَعْيَهُ). و «يرى» مبني للمجهول ، فيجوز أن تكون من البصرية أي يبصر ، وأن تكون من العلميّة فيكون الثاني محذوفا (٦) أي يرى حاضرا. والأول أوضح.
وقال مكي (٧) : وأجاز الزجاج : يرى بفتح الياء على إضمار الهاء ؛ أي سوف يراه (٨) ولم يجزه الكوفيّون لأن «سعيه» يصير قد عمل فيه أنّ ، و «يرى». وهو جائز عند المبرّد وغيره ؛ لأنّ دخول «أنّ» على «سعيه» وعملها فيه ، يدل على الهاء المحذوفة من «يرى» ؛ وعلى هذا جوز البصريون : إنّ زيدا ضربت بغير هاء (٩).
قال شهاب الدين : وهو خلاف ضعيف توهموا أن الاسم توجه عليه عاملان مختلفان في الجنسية ، لأن رأي بعضهم أن يعمل فعلان في معمول واحد ، ومنه باب التنازع في بعض صوره ، نحو : قام وقعد زيد وضربت وأكرمت عمرا وأن يعمل عامل واحد في اسم وفي ضميره معا نحو : زيدا ضربته في باب الاشتغال. وهذا توهم باطل ؛ لأنا نقول : سعيه منصوب «بأنّ» و «يرى» متسلط على ضميره المقدر فظاهر هذا أنه لم يقرأ به (١٠).
وقد حكى أبو البقاء أنه قرىء به (١١) شاذّا ، ولكه ضعفه من جهة أخرى فقال :
__________________
(١) نقله الرازي في تفسيره ١٥ / ١٥.
(٢) الجامع في أحكام القرآن للإمام القرطبي ١٧ / ١١٣ و ١١٤.
(٣) لأن «أن لا تزر» جملة في محل جر بدلا من «ما في صحف إبراهيم وموسى».
(٤) ف «أن لا تزر» يجوز فيها أن تكون خبر مبتدأ محذوف.
(٥) فجملة «أن لا تزر» يجوز أن تكون منصوبة بأعني مقدرا. وقد سبق كل هذا عن قرب والبدل المعطوف حكمه حكم المعطوف عليه جرا ونصبا ورفعا مفردا أو جملة محلّا.
(٦) والأول هو نائب الفاعل. وقد قال بالإعراب مكي في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٣٣٣.
(٧) المرجع السابق.
(٨) قال : معناه فهو يعلم. والرؤية على ضربين ؛ أحدهما : (رأيت) أبصرت والآخر علمت كما تقول : «... رأيت زيدا أخاك .....» معاني القرآن ٥ / ٧٥.
(٩) انظر مشكل الإعراب السابق ٢ / ٣٣٣.
(١٠) ولم أعثر عليه قراءة في كتب القراءات الشاذة أو المتواترة.
(١١) ولم يحدّد من قرأ بذلك. فلم أجد من قرأ به كما قلت.