والسلام ـ. وقال ابن إسحاق (١) : هما عادان ، فالأولى أهلكت بالريح الصرصر ، ثم كانت الآخرة وأهلكت بصيحة. وقيل : عاد الأولى هي عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح وعاد الثانية من ولد عاد الأولى ، والمعنى متقارب. وقيل : إن عادا الآخرة هم الجبّارون.
وهم قوم هود (٢).
قوله : (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) قد تقدم الخلاف في «ثمود» بالنسبة إلى الصرف وعدمه في سورة «هود» (٣). وفي انتصابه هنا وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على «عادا».
والثاني : أنه منصوب بالفعل المقدر أي «وأهلك». قاله أبو البقاء ، وبه بدأ. ولا يجوز أن ينتصب ب «أبقى» لأن ما بعد «ما» الثانية لا يعمل فيها قبلها (٤) ، والظاهر أنّ متعلق «أبقى» عائد على من تقدم من عاد وثمود أي فما أبقى عليهم ـ أي على عاد وثمود ـ أو يكون التقدير : فما أبقى منهم أحدا ، ولا عينا تطرف. ويؤيد هذا قوله : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) [الحاقة : ٨].
قوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ) كالذي قبله و (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل عاد وثمود.
وقوله : (إِنَّهُمْ) يحتمل أن يكون الضمير لقوم نوح خاصة ، وأن يكون لجميع من تقدم من الأمم الثلاثة.
قوله : (كانُوا هُمْ) يجوز في «هم» أن يكون تأكيدا (٥) ، وأن يكون (٦) فصلا. ويضعف أن يكون بدلا. والمفضل عليه محذوف تقديره : من عاد وثمود على قولنا : إن الضمير لقوم نوح خاصة ، وعلى القول بأن الضمير للكل يكون التقدير : من غيرهم من مشركي العرب ، وإن قلنا : إن الضمير لقوم نوح خاصة والمعنى أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود إنّهم كانوا هم أظلم وأطغى لطول دعوة نوح إياهم وعتوّهم على الله بالمعصية والتكذيب وهم الباقون بالظلم والمتقدمون فيه ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها والبادىء أظلم وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم ولا يدعو نبي على قومه إلا بعد الإصرار العظيم والظالم
__________________
(١) تقدم التعريف به.
(٢) القرطبي ١٧ / ١٢٠.
(٣) من الآية ٦١ من سورة هود قوله : «وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً». وقد قرأ الجمهور بالصرف وقرأ عاصم والحسن وعصمة دون الصرف.
(٤) التبيان ١١٩١.
(٥) للواو من كانوا.
(٦) مع أن جماعة ذكروا أن من فائدة ضمير الفصل التوكيد المعنوي وبنوا عليه أنه لا يجامع التوكيد فلا يقال زيد نفسه هو الفاضل وعلى ذلك سماه بعض الكوفيين دعامة ، لأنه يدعم به الكلام أي يقوى ويؤكد فقوله أعلى : تأكيدا لعله يقصد التوكيد غير المعنوي وهذا بعيد. وانظر المغني ٤٩٦ بتصرف.