قوله : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) دنت القيامة ، واقتربت ، والتقدير : الساعة الآزفة ، كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ويجوز أن تكون الآزفة على القيامة بالغلبة.
قال ابن الخطيب : قوله (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) كقوله تعالى : (وَقَعَتِ الْواقِعَةُ). ويقال : كانت الكائنة. وهذا الاستعمال على وجهين :
الأول : إذا كان الفاعل صار فاعلا لمثل ذلك الفعل من قبل ، ثم فعله مرة أخرى ، يقال : فعله الفاعل كقوله : حاكه الحائك أي من شغله ذلك من قبل فعله.
الثاني : أن يصير الفاعل فاعلا بذلك الفعل ، يقال : إذا مات الميّت انقطع عمله ، وإذا غصب العين غاصب ضمنه ، فقوله : أزفت الآزفة يحتمل أن يكون من الأول أي قربت الساعة التي كل يوم تزداد قربا فهي كائنة قريبة وزادت في القرب ، ويحتمل أن يكون من الثاني كقوله : (وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي قرب وقوعها. وفاعل أزفت في الحقيقة القيامة أو الساعة فكأنه قال : أزفت القيامة الآزفة أو السّاعة الآزفة (١).
قال أبو زيد (٢) : قلت لأعرابيّ : ما المحبنطىء؟ قال : المتكأكىء ، قلت : ما المتكأكىء؟ قال : المتآزف؟ قلت : ما المتآزف؟ قال : أنت أحمق وتركني ومرّ (٣).
قوله : (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) يجوز أن يكون «كاشفة» وصفا (٤) وأن يكون مصدرا (٥) ، فإن كانت وصفا احتمل أن يكون التأنيث لأجل أنه صفة لمؤنث محذوف فقيل : تقديره : نفس كاشفة أو حال كاشفة.
فإن قيل : إذا قدرتها نفس كاشفة ، وقوله (مِنْ دُونِ اللهِ) استثناء على المشهور فيكون الله نفسا كاشفة؟ (٦)
__________________
ـ (نذير) اسم مصدر نحو اغتسل غسلا ، وأنبت نباتا وتوضأ وضوءا فاسم المصدر على الحدث كالمصدر ولكن حروفه نقصت عن حروفه لفظا وتقديرا دون تعويض وهذه التفرقة إنما هي في اصطلاح المتأخرين من النحاة أما المتقدمون منهم كسيبويه واللغويون فليس عندهم فرق بين مصدر واسم مصدر. انظر التبيان ٣٤.
(١) وقال بهذه الأشياء العقلية الامام الفخر الرازي كعادته في تفسيره الكبير ، وانظر تفسيره ١٥ / ٢٧.
(٢) سعيد بن أوس الأنصاري ، كان عالما بالنحو واللغة ، أخذ عن أبي عمرو وأخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام ، وأبو حاتم ، وكان أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة ، له من الكتب النوادر في اللغة وغيرها. مات سنة ٢١٥ ه ، وانظر نزهة الألباء ص ٨٧ : ٩١.
(٣) نقله عنه البحر المحيط ٨ / ١٧٠ ، والدر المصون مخطوط بمكتبة الإسكندرية لوحة رقم ١١٩.
(٤) وهو رأي الزجاج فيما نقله عنه أبو حيان في البحر ٨ / ١٧٠.
(٥) وهو رأي الزمخشري في الكشاف ٤ / ٣٥ والرماني في البحر المرجع السابق على أن الرأي السابق هو رأي الزمخشري الأول ، وللرازي رأيه كما سيأتي الآن.
(٦) في الرازي : نفسا لها كاشفة.