وقيل : المراد القرآن (١).
قال ابن الخطيب : وفي (ما) وجهان :
الأول : أنها موصولة أي جاءكم الذي فيه مزدجر.
الثاني : أنها نكرة موصوفة أي جاءكم من الأنباء شيء موصوف بأن فيه مزدجر (٢).
قوله : «حكمة» فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) كأنه قيل : ولقد جاءهم حكمة بالغة من الأنباء ، وحينئذ يكون بدل كل من كل ، أو بدل اشتمال.
الثاني : أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هو حكمة بالغة (٣) ، أي ذلك الذي جاءهم من إرسال الرسل وإيضاح الدلائل ، والإنذار لمن مضى ، أو إشارة لما فيه الأنباء أنه حكمة ، أو إشارة إلى الساعة المقتربة. وقد تقدم أنه يجوز على قراءة أبي جعفر وزيد أن يكون خبرا ل (كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ). وقرىء «حكمة» بالنصب حالا من «ما» (٤).
قال الزمخشري : فإن قلت : إن كانت «ما» موصولة ساغ لك أن تنصب «حكمة» حالا فكيف تعمل إن كانت موصوفة وهو الظاهر؟
قلت : تخصّصها بالصفة فيحسن نصب الحال عنها. انتهى (٥).
وهو سؤال واضح ؛ لأنه يصير التقدير : جاءهم من الأنباء شيء فيه ازدجار فيكون منكرا ، وتنكير ذي (٦) الحال قبيح.
قوله : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) يجوز في «ما» أن تكون استفهامية ، وتكون في محل نصب مفعولا مقدما أي أيّ شيء تغني النذر؟ وأن تكون نافية أي لم تغن النذر شيئا (٧).
والنذر جمع نذير ؛ والمراد به المصدر أو اسم الفاعل كما تقدم في آخر النجم (٨). وكتب «تغن» إتباعا للفظ الوصل ، فإنها ساقطة لالتقاء الساكنين (٩).
قال بعض النحويين : وإنما حذفت الياء من «تغني» حملا لها على «لم» فجزمت
__________________
(١) وتقديره جاء فيه الأنباء.
(٢) قال : وهذا أظهر. وقد قال بالمصدرية والمكانية في «مزدجر» : الرازي أيضا نقلا عن الزمخشري وأبو حيان نقلا عنهما معا. وانظر الرازي والكشاف والبحر المراجع السابقة.
(٣) قال بهذين الوجهين الإعرابيين مكي في المشكل ٢ / ٣٣٥ والزمخشري في الكشاف ٤ / ٣٦ وأبو البقاء في التبيان ١١٩٢ ، وأبو حيان في البحر ١٧٤.
(٤) ونسبها أبو حيان لليماني. انظر المرجع السابق والكشاف أيضا.
(٥) الكشاف المرجع السابق.
(٦) أي صاحب الحال.
(٧) أخذه من الكشاف للزمخشري السابق أيضا.
(٨) في قوله : «هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى».
(٩) الياء وهمزة الوصل.